وافق الجيش السوداني وقوات «الدعم السريع»، على هدنة جديدة قصيرة اليوم وليوم واحد فقط، في ما يمثّل عودة الجيش إلى مفاوضات جدّة بعد انسحابه منها، وسط تحذيرات سعودية ـــ أميركية من «تأجيل» المفاوضات في حال «عدم التزام» الطرفين بالهدنة. وبينما أكّد الجيش التزامه «تقديراً للجهود السعودية والأميركية»، غير أنه أعرب عن احتفاظه بحق التعامل مع أي «خروق» قد يرتكبها «المتمردون». ويأتي ذلك بعد ساعات من إعلان الحكومة السودانية مبعوث الأمم المتحدة شخصاً «غير مرغوب فيه» واتهامه بالانحياز.

وبعد قرابة أسبوع على احتدام المعارك في الخرطوم عقب انتهاء المهلة يوم السبت الماضي، أعلنت الرياض وواشنطن، في وقت متأخر أمس، عن «اتفاق وقف إطلاق نار في كافة أنحاء السودان لمدة 24 ساعة اعتباراً من الساعة السادسة من صباح يوم 10 حزيران 2023 (الرابعة فجراً بتوقيت غرينيتش)»، بحسب وزارة الخارجية السعودية. ومن جانبه، قال الجيش السوداني إنه وافق على هدنة لـ24 ساعة تقديراً للجهود السعودية والأميركية، مؤكّداً التزامه بها واحتفاظه بحق التعامل مع أي خروق قد يرتكبها «المتمردون».
إلى ذلك، حذّر بيان سعودي ــــ أميركي من أنه «في حال عدم التزام الطرفين بهذه الهدنة، فسيضطر المُسيّران إلى تأجيل محادثات جدة». كذلك، أعربت الرياض وواشنطن اللتان تقودان وساطة شملت مباحثات في مدينة جدة، عن خيبتهما من فشل كل محاولات التهدئة. وأكدتا أنهما «تتشاركان مع الشعب السوداني حالة الإحباط من عدم الالتزام بالهدن السابقة، وعليه تم اقتراح هذه الهدنة لتيسير وصول المساعدات الإنسانية وكسر حالة العنف والمساهمة في تعزيز تدابير بناء الثقة بين الطرفين مما يسمح باستئناف مباحثات جدة».
وتأتي هذه الهدنة بينما أعلن الوسيطان السعودي والأميركي، الأسبوع الماضي تعليق المباحثات بعد قرار الجيش السوداني الانسحاب منها واشتراطه خروج قوات الدعم السريع من المنازل والمستشفيات. لكنهما حضّا طرفي النزاع على إبرام اتفاق جديد، وأكدا بقاء ممثلَي الطرفين في جدة على رغم تعليق المفاوضات المباشرة. وكان يوم أمس شهد تواصل المعارك في مناطق عدة خصوصاً في الخرطوم، قرب «مصنع اليرموك» للصناعات الدفاعية التي أعلنت «الدعم السريع» سيطرتها عليه الأربعاء الماضي. إلا أن الفريق أول شمس الدين كباشي، عضو مجلس السيادة السوداني ونائب القائد العام للقوات المسلحة، تماسك الجيش ووحدته، داعياً إلى تجنب الاستماع للشائعات. وأضاف كباشي خلال لقائه حشداً من الجنود، في فيديو بثه الإعلام العسكري، إن القائد العام للجيش عبد الفتاح البرهان يشرف بنفسه على إدارة العمليات مع القيادات العسكرية. وأشار إلى أن «العدو» في حالة فرار من خطوط المواجهة، وأن عناصره تلجأ لنهب ممتلكات المواطنين، بحسب قوله.
وبالتوازي، اشتدّ الخلاف بين الخرطوم والأمم المتحدة ممثلة بمبعوث الأمين العام إلى السودان، الألماني فولكر بيرتس، الذي أعلنته الخرطوم شخصاً غير مرغوب فيه بالبلاد. وفي السياق، قالت وزارة الخارجية السودانية إن الحكومة «أخطرت الأمين العام للأمم المتحدة بإعلان فولكر بيرتس (...) شخصاً غير مرغوب فيه، وذلك من تاريخ الثامن من حزيران». وتأتي هذه الخطوة بعد طلب البرهان أواخر أيار من الأمين العام أنطونيو غوتيريش استبدال بيرتس، متّهما إياه بتأجيج النزاع، إلا أن الأمين العام لم يأخذ بهذا الطلب وجدّد «ثقته الكاملة» بمبعوثه. وعلّق مصدر حكومي سوداني على الأمر، في حديث إلى وكالة «فرانس برس»، بقوله: «نظراً لعدم استجابة الأمين العام لطلب البرهان لم تجد الحكومة السودانية بدّاً من اتخاذ هذا القرار». وأوضح المصدر أن بيرتس «انحاز الى أطراف سياسية محددة وشدد على أن تقتصر العملية السياسية على أطراف معينة وتستبعد آخرين».
إنسانياً، كررت المنظمات الإنسانية التحذير من خطورة الوضع الإنساني في السودان. ووفق ما أكّدته مصادر طبية لوكالة «فرانس برس»، باتت ثلاث أربع المستشفيات في مناطق القتال خارج الخدمة. ويخشى أن تتفاقم الأزمة مع اقتراب موسم الأمطار الذي يهدد بانتشار الملاريا من جديد وانعدام الأمن الغذائي وسوء تغذية الأطفال. وبدورها، قدّرت الأمم المتحدة بأن 25 مليون من أصل 45 مليون نسمة عدد سكان في البلاد يحتاجون الى مساعدات.