تجدّدت الاشتباكات بالأسلحة الثقيلة بين الجيش السوداني وقوات «الدعم السريع»، وتَركّزت وسط الخرطوم وفي مدنها الثلاث، بينما تزداد معاناة الأهالي الذين يواصلون النزوح إلى خارج العاصمة، على وقع ازدياد أعمال النهب للممتلكات في الخرطوم ودارفور. وذكرت وسائل إعلام أن أحياء جنوب الخرطوم، والديم، والصحافة، في مدينة الخرطوم، شهدت مواجهات عنيفة استُخدمت فيها كلّ أنواع الأسلحة الثقيلة والخفيفة. كما شهدت أحياء الشمال في مدينة أم درمان غرب العاصمة اشتباكات واسعة، فيما سُجّل اندلاع معارك أيضاً في مناطق شارع الشهيد عبد العظيم، امتدّت حتى حي الشقلة غرب المدينة. ووفقاً لمصادر محلّية، فإن الجيش السوداني يحرز تقدّماً نسبياً في المعارك، حيث تَوسّع انتشاره ليشمل مناطق جديدة كانت خارج سيطرته، وفي وقت يواصل فيه الطيران الحربي التحليق في سماء العاصمة، شانّاً ضربات جوية على مراكز لـ«الدعم السريع». ومنذ يوم السبت الماضي، تشهد مدن العاصمة الثلاث (الخرطوم والخرطوم بحري وأم درمان) اشتباكات عنيفة بعد انتهاء اتفاق وقف إطلاق النار الثاني الذي توسّطت فيه السعودية والولايات المتحدة.ويترافق اشتداد المعارك مع عمليات نزوح كبيرة للسكّان إلى خارج العاصمة، جرّاء تدهور الأوضاع الأمنية والمعيشية وتراجع الخدمات الأساسية. وفي هذا الإطار، يُسجَّل تزايد كبير في عمليات نهب الممتلكات، خصوصاً في مدينة أم درمان، التي أكد سكّان محلّيون لوكالة «رويترز» أنها تتعرّض يومياً للنهب علناً، من دون أن يتدخّل أحد لمنع ذلك. أيضاً، نقلت الوكالة عن أحد سكّان منطقة الخرطوم شرق، ويُدعى وليد آدم، قوله إن قوات «الدعم السريع» انتشرت في أحياء في أنحاء العاصمة وسيطرت عليها تماماً وتمارس النهب بكثافة. وأضاف آدم أنه يمكن رؤية تلك القوات وهي تستولي على السيارات والأموال والذهب وكلّ ما تقع عليه أيديها، معرباً عن مخاوفه من أنه لن يمضي وقت طويل حتى تنتشر في الشارع الذي يقيم فيه.
على صعيد متصل، تسود حالة من التوتّر مدينة الجنينة، مركز ولاية غرب دارفور، على وقع المواجهات بين الجيش و«الدعم السريع»، إضافة إلى المواجهات القبلية. وكما يحصل في الخرطوم، ازدادت عمليات النهب والسلب في دارفور، فيما ذكرت مصادر محلّية أن آلاف الأسر نزحت إلى مناطق أكثر أمناً، من بينها دولة تشاد المجاورة. كذلك تتزايد المخاوف في ولاية البحر الأحمر، بعد أن كثرت الأنباء عن تحرّك قوات «الدعم السريع» نحو الولاية لملاحقة الزعيم القبلي، سيد محمد الأمين ترك، الحليف القوي للجيش، بغرض اعتقاله. وفي هذا الإطار، حذر «المجلس الأعلى لنظارات البجا والعموديات المستقلة»، في بيان شديد اللهجة، من المساس بالناظر ترك. وأكد أن «أيّ خطوة من هذا القبيل ستقود إلى مستنقع عجزت إمبراطوريات العالم عن خوضه».
سياسياً، جدّد رئيس «مجلس السيادة»، قائد الجيش عبد الفتاح البرهان، في اتصال هاتفي مع وزير الخارجية السعودي، فيصل بن فرحان، «الثقة بمنبر جدة»، مشدّداً على ضرورة التزام قوات «الدعم السريع» بالخروج من المستشفيات والمراكز الخدمية ومنازل المواطنين، وإجلاء الجرحى، وفتح مسارات لتقديم المساعدات الإنسانية، «حتى يحقّق منبر جدة نجاحه»، وفق بيان للمجلس. وجاء ذلك في وقت حذّر فيه المندوب الأممي الخاص إلى أفريقيا الوسطى، عبدو عباري، من أن الحرب في السودان لها عواقب إنسانية مدمّرة على تشاد وجمهورية أفريقيا الوسطى. وقال عباري، خلال جلسة مفتوحة لمجلس الأمن، إن هناك حاجة إلى توفير نحو 129 مليون دولار لرعاية 100 ألف لاجئ لمدّة 6 أشهر في تشاد. كذلك، نبّه إلى أن وصول ما يقرب من 14 ألف شخص إلى شمال شرق جمهورية أفريقيا الوسطى، إضافة إلى توقّف التجارة عبر الحدود، «يضعان ضغطاً إضافياً على الموارد المحدودة المتاحة لمساعدة 130 ألف شخص من الفئات الأشدّ ضعفاً في المنطقة». ووفقاً للأمم المتحدة، تسبّبت الحرب المستمرّة منذ 15 نيسان الماضي، بنزوح 1.2 مليون سوداني داخل البلاد و400 ألف آخرين إلى دول الجوار.