منذ فترة غير قصيرة، بات الخبر الميداني الآتي من سوريا يتضمن اسمين فقط لمقاتلي المعارضة على الجبهات: «داعش» و«النصرة». توضّحت الصورة بالنسبة إلى الصحافيين الذين وقعوا سابقاً في دوّامة عشرات المجموعات والكتائب العشوائية التي كانت تتقاتل في ما بينها، وتقاتل الجيش السوري، ثم تعلن انشقاقها عن المجموعة الأم، ثم مبايعتها لقائد ما ثم... تختفي.
هما «داعش» و«النصرة» اللذان يحرّكان الجبهات السورية الطامحة إلى إسقاط النظام السوري حالياً، حسب ما يرد في معظم التغطيات الصحافية الغربية. وأخيراً كادت «داعش» تستحوذ على كامل المشهد الإعلامي للمعارك، نظراً إلى تقدمها البارز على أرض الواقع. أما «الجيش الحرّ»، فلم يعد يذكره أحد إلا في موضع السؤال عن وجوده، وعن استحالة إعادة هيكلته في ظلّ التطورات الميدانية الحاصلة. والتقارير المنشورة خلال الأسبوع الماضي حذّرت من سقوط آخر معقل لـ«الحرّ» شمال مدينة حلب بعد تقدم الجيش السوري ومقاتلي «داعش» في المنطقة.
لكن، رغم التقارير الإعلامية والاستخبارية، ورغم المعلومات المتوافرة والواقع الميداني الذي فرض نفسه، هناك شخص وحيد لا يزال مؤمناً بأن «الجيش السوري الحرّ» موجود وقوي، هو السفير الأميركي السابق في دمشق روبرت فورد، الذي يقول حالياً إن «الكلام عن موت المعارضة المعتدلة المسلحة مبالغ فيه». فورد، الذي سُمّي سابقاً «سفير المعارضة السورية»، هو اليوم أشبه بالناطق الرسمي والعسكري لـ«الحرّ»، ويقود ــــ وحيداً ــــ حملة ترويج إنقاذية له.
تنشر الصحف الأميركية والبريطانية يومياً خرائط تظهر مواقع سيطرة «داعش» و«النصرة» وتقدمهما في سوريا، مقابل المواقع التي استعادها الجيش السوري. لا وجود لـ«الجيش الحرّ» على معظم تلك الخرائط. تتسارع التقارير من شمال حلب في الأيام الاخيرة وتنذر بتقدم «داعش» فيها و«التخوف» من سيطرتها على المنافذ المهمة على الحدود الشمالية مع تركيا.

تنشر الصحف الغربية يومياً خرائط تظهر مواقع سيطرة «داعش» و«النصرة» وتتجاهل «الحر»


لا أخبار عن تصدّي «الحرّ» لها في آخر معاقله. تتصاعد اللهجة التي تلوم باراك أوباما لعدم تسليح «الجيش الحرّ» منذ البداية. لكن سرعان ما تعترف بأنه كان «مجرد مجموعات مفككة ضعيفة» وأن تسليحه «كان يعود بالمنفعة على المتطرفين». لا يخرج أحد للدفاع عن مقاتلي «الحرّ» من قادة المعارضة السوريين. لكن السفير الأميركي المتقاعد حاضر، يكتب بين الحين والآخر في أبرز الصحف الأميركية، ويذكّر بوجود «معارضة مسلّحة معتدلة» لا يراها أحد سواه، لا في الإدارة الأميركية ولا في استخباراتها، ولا في الإعلام.
وبعد أن دعا في حزيران الماضي الرئيس الأميركي مباشرة إلى تسليح «الجيش الحرّ»، يطلّ فورد أخيراً مهللاً لـ«تحقيق المعارضة السورية انتصارات ميدانية». فورد، متقمّصاً دور مسؤول الدعاية السياسية لـ«الحرّ»، يقول في مقاله الأخير في «فورين بوليسي» إنه «فيما تحقق داعش المكاسب في العراق، تكدّس المعارضة المسلحة المعتدلة في سوريا الانتصارات». «لا تصدقوا كل ما يقوله الإعلام»، ينصح فورد القرّاء. ثم يتقمَّص دور المسؤول العسكري فيعدّد المناطق التي سيطر عليها «جيشه» أخيراً: إدلب وبعض مناطق حماه وبعض ضواحي دمشق. «الحرّ»، في رأي فورد، يعاني ضعفاً وحيداً هو نقص المعدات والذخائر. ورغم بروز قادة «إسلاميين» فيه، لا يزال في نظر السفير، «الجهة المعتدلة التي يجب تسليحها» في سوريا. السفير المتقاعد يبدو متفائلاً أيضاً، إذ يرى أنه في الأشهر المقبلة «سيحقق الجيش الحرّ المزيد من الانتصارات ويضمّ عدداً إضافياً من البلدات... وهو سيقنع بعض الفئات العلوية بالوقوف الى جانبه ضد النظام الذي سيجد نفسه في مأزق».
مقال فورد في «فورين بوليسي» تزامن مع تقارير لـ«فاينانشل تايمز» و«سي إن إن» وغيرها تفيد عكس ادّعاءاته، وتشير إلى أنه رغم تعرّض «داعش» للقصف في العراق، ما زال يحقق مكاسب في سوريا، وخصوصاً في المناطق الحدودية التي يتراجع إليها المقاتلون. «داعش» يسيطر حالياً على ثلث الأراضي السورية، تنقل «فاينانشل تايمز» عن مدير «المرصد السوري لحقوق الإنسان» المعارض رامي عبد الرحمن.
تشارلز ليستر، المحلل في مركز «آي اتش اس جينز»، أفاد «سي إن إن» بأن «داعش» موجود الآن على بعد أميال قليلة من المنطقة الخاضعة لـ«الجيش الحرّ» والمجموعات المعارضة الأخرى شمال حلب، وعلى بعد مسافة قصيرة من أبرز معاقل المعارضة المؤدية إلى الحدود التركية». «المعارضة في وضع سيئ داخل حلب حتى حيث تقدّم الجيش السوري... هي تواجه خطراً وجودياً الآن وتقف على حافة الهاوية»، يخلص ليستر. لكن فورد لا يصدّق!