غزة | على نحو غير مسبوق، أسهمت شبكة الاتصالات الخاصة بالمقاومة الفلسطينية في خفض نسبة الخسائر في الأرواح بين المقاومين، بحسب ما تكشف قيادات ميدانية كانت تدير المعركة عبر الاتصال. ومثّل استخدام الفصائل الفلسطينية الاتصالات الخاصة سابقة في تاريخ الصراع ضد الاحتلال في الأراضي الفلسطينية، خصوصاً أن شبكة الاتصالات الداخلية ساعدت في الحؤول دون وصول آذان رجال مخابرات العدو إلى المكالمات الخاصة بين المقاومين والتنصت عليها، وكان ذلك في السابق يساعد في الكشف عن الكثير من الخفايا والتكتيكات التي تتبعها الأذرع العسكرية.

تسلط «الأخبار» الضوء على دور خطوط الاتصالات الأرضية الخاصة التي أقامتها المقاومة الفلسطينية بعد الحرب الأولى على غزة في شتاء عام 2009، فيما لم يجر استخدامها خلال الحرب الثانية في تشرين الثاني عام 2012 بصورة فعالة لأن تجهيزاتها لم تكن قد اكتملت بعد، كما يفيد مقاومون أكدوا أنهم اعتمدوا عليها كلياً في مجال التواصل بين سلاح الإشارة والقادة الميدانيين خلال العدوان الأخير.

ترتبط الاتصالات الفلسطينية بنظيرتها الإسرائيلية ما
يسهّل اختراقها


ويكشف المسؤول في «كتائب القسام ـــ لواء خانيونس» ومهندس الاتصالات الملقب بـ«أبو عمير» أن واحدة من أبرز الأدوات التي أدت إلى الكشف عن مصير العناصر المحتجزين في نفق تحت الأرض عند الحدود الشرقية للمحافظة الجنوبية، والبالغ عددهم 25 مقاتلاً، كانت شبكة الاتصالات الخاصة. وأوضح: «عندما قطعت الاتصالات بيننا وبين المقاومين في الأنفاق عند الحدود الشرقية لخانيونس، ومع إعلان بدء سريان التهدئة المؤقتة في العاشر من آب، خرجنا برفقة رجال الدفاع المدني لإرشادهم إلى مكان المجاهدين، وحين العثور على طرف أسلاك الاتصال الأرضي الخاص بنا، أوصلناها بجهاز اتصال، وبالفعل تمكنا من إجراء مكالمة معهم حتى أنقذوا، فيما جرى انتشال ستة مجاهدين آخرين كانوا قد ارتقوا خلال مدة الاحتجاز التي بلغت 22 يوماً».
أما أبو أحمد، وهو قائد في «وحدة الدروع» في المحافظة الشمالية للقطاع، فأكد أنه كان يتمكن عبر نقطة اتصال داخلية مقامة في منزله من مهاتفة ذويه ومن يعنيهم أمره طوال عشرين يوماً من غيابه في نقطة رباط متقدمة بالقرب من الحدود المتاخمة لما يعرف سابقاً بمغتصبة «إلي سيناي»، مؤكداً أنه في أوقات مواجهة سابقة كان يستحيل عليه الاطمئنان على ذويه، «لأن تكلفة الاتصال بالجوال هي أرواحنا».
وأشار أبو أحمد، في حديث إلى «الأخبار»، إلى أن الاتصالات الخاصة بالمقاومة قللت الخسائر في الأرواح، خصوصاً إذا ما أخذ في الاعتبار أن الاتصالات اللاسلكية كانت، ولا تزال، تخضع لرقابة الاستخبارات. وقال إن «التفكير في إقامة شبكة الاتصالات الخاصة بالمقاومة لم يكن أقل قيمة من تصنيع الصواريخ والإعداد للمعركة التي دارت على أرض غزة لأكثر من شهر».
ولفت القائد العسكري في «القسام» إلى أن ضرورات الميدان أوجبت اعتماد بديل من الاتصالات المتعلقة بما يعرف بـ«السيناو» و«الماخشير» اللتين كانت تستخدمهما المقاومة سابقاً باعتبارهما الوسيلة الوحيدة للاتصال، «واستطاع المحتل اختراقها بتقنياته المتطورة». وأكد أبو أحمد أن مهندسي الاتصالات كانوا يتعقبون المقاسم يومياً طوال العدوان على غزة لأكثر من ثلاثين يوماً، وذلك للتأكد من سلامتها ومنع اختراقها، لافتاً إلى أن الشبكة أثبتت إخفاق العدو في التنصت على المقاومة.
وتعتمد إسرائيل، وفق مصادر أمنية، على مصدرين أساسيين في جمع المعلومات الاستخبارية اللازمة لحربها ضد حركات المقاومة الفلسطينية، وهما المصادر البشرية كتجنيد العملاء، والمصادر الإلكترونية القائمة على الاستعانة بأحدث ما توصلت إليه التقنيات التكنولوجية.
وقالت هذه المصادر إن «الوحدة 8200 في جهاز الشاباك تعتمد على تعقب أجهزة الاتصال السلكية واللاسلكية»، مبينة أن الذي يساعد الوحدة على أداء مهمتها ارتباط شبكة الاتصالات الفلسطينية القائمة في الضفة وقطاع غزة بشبكتها الخاصة. وأكدت أن المقاسم الرئيسية لشبكة الاتصالات الفلسطينية مرتبطة تلقائياً بنظيرتها الإسرائيلية «بيزيك»، فيما شبكتا الهاتف النقال «جوال ــ الوطنية» مرتبطتان بشبكة «أورانج» الإسرائيلية.