إذا جرى تجديد الهدنة منتصف هذه الليلة لثلاثة أيام أخرى أو أكثر، ستكون مفاوضات وقف الحرب قد أخذت مدة توازي نصف الوقت الذي استغرقته الحرب، ولا يبدو أن هذه المعادلة مرضية للواقع الفلسطيني، وخصوصاً أن الناس في غزة لا يزالون يعيشون آثار الحرب رغم الهدنة، فهم من جانب يلملمون جراحهم، ومن جانب آخر لم تبدأ أي عملية إغاثية كبيرة تنهي المشكلات الإنسانية أو البيئية التي تلاحقهم.
ولا يبدو أن هذا الصباح سيحمل خبر اتفاق قبل انتهاء التهدئة الثالثة (ليل الاثنين ــــ الثلاثاء)، مع أن رئيس الوفد الفلسطيني عزام الأحمد قال إن من المقرر أن يطلعهم الوسيط المصري على الرد الإسرائيلي على المطالب الفلسطينية بشأن الوقف الدائم لإطلاق النار.
وثمة مصادر مصرية أخرى تقول لـ«الأخبار» إن الهدنة قد تصاب بمقتل «إذا استمر التدخل القطري والتركي في مباحثات القاهرة». وتضيف تلك المصادر إن القياديين خليل الحية (حماس) وخالد البطش (الجهاد الإسلامي)، وهما يمثلان الوفد من غزة، لم يحضرا أول اجتماع كان توقيته من الرابعة مساء أمس حتى السادسة في مبنى المخابرات المصرية، ما أدى إلى تأجيل الاجتماع إلى العاشرة مساء، «لكن المباحثات لم تؤد إلى أي جديد لجهة ثبات المطالب الفلسطينية».

بدأ الاحتلال بإعطاء تسهيلات لغزة
لمحاولة سحب أي
إنجاز للمقاومة


وتقاطعت مصادر مصرية وفلسطينية في تأكيد أن رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس سيجري زيارة عاجلة إلى العاصمة المصرية قريبا لإنقاذ المفاوضات، بعدما كان قد بعث رسالة مع كبير المفاوضين الفلسطينيين صائب عريقات إلى رئيس المكتب السياسي لحركة «حماس» خالد مشعل في الدوحة، لكن لم يعرف هل تضمنت اقتراحا باصطحابه إلى القاهرة أو طلبا للتعديل على بنود التفاهمات.
وكانت حركة «حماس» قد أعلنت رفضها اقتراحات قدمتها القاهرة إلى المفاوضين الفلسطينيين، ورأت أنها غير كافية، كما لوّحت باحتمال استئناف القتال عندما تنتهي الهدنة الحالية. في المقابل، لم تقل إسرائيل بوضوح إنها قبلت أو رفضت الاقتراحات المصرية، لكنها أشارت إلى أن مبعوثيها مستمرون مثل الفلسطينيين في حضور المحادثات.
وحتى كتابة النص، لم يقرّ أي فريق أو وسيط بوجود ورقة للمقترحات المصرية، لكن النقاشات حول البنود تؤكد ما سربته مصادر إعلامية فلسطينية وإسرائيلية عن هذه البنود التي تشمل تأجيل القضايا المهمة للفلسطينيين مثل قضية الميناء والمطار وتبادل الأسرى وإلغاء المنطقة الحدودية العازلة حتى أشهر، فيما يريد الفلسطينيون تطبيق الاتفاق رزمة واحدة، وخاصة رفع الحصار والحصول على موافقة مبدئية في بعض القضايا، على أن يؤجل التنفيذ لاحقاً، كما ترغب في فصل أي تبادل لأسرى أو جثث عن اتفاق إنهاء الحرب.
وكان عضو المكتب السياسي ومسؤول العلاقات الخارجية لـ«حماس»، أسامة حمدان، قد قال إن العروض التي قدمت إلى الوفد الفلسطيني في القاهرة «لا تلبي طموح المطالب الفلسطينية». وأضاف حمدان على صفحته على «الفايسبوك»: «على إسرائيل قبول شروط الشعب الفلسطيني أو مواجهة حرب استنزاف طويلة».
في المقابل، قال محمود عباس إن «القيادة الفلسطينية تتمسك بالمبادرة المصرية ولن تقبل بأن تحل محلها أي مبادرة أخرى».
وأضاف خلال افتتاح اجتماع القيادة الفلسطينية في رام الله: «مصر ليست وسيطاً، وإنما طرف أصيل». ولم يتضح إن قصد رئيس السلطة بالمبادرة المصرية دور الوساطة أو المبادرة الأولى التي اقترحت بداية الحرب ورفضتها الفصائل، لكن سياق حديثه يشير إلى أن هناك ورقة مصرية يجري البحث فيها، كما دلت على ذلك قرائن أخرى من تصريحات منفصلة لعدة قيادات فلسطينية.
عند هذه النقطة تحديداً، تنقل مصادر مقربة من «حماس» لـ«الأخبار» أن هناك غضباً داخل أوساط الحركة من طريقة المعالجة التي تجري لوقف الحرب، وخاصة أن هناك ميولاً نحو رفض تمديد الهدنة مرة
رابعة.
وتقول هذه المصادر إن «حماس» حريصة على تماسك الوفد الفلسطيني «لكن ليس على حساب نجاح المفاوضات وحصول الشعب الفلسطيني على حقوقه».
وعشية انتهاء موعد الهدنة الجارية (علي حيدر)، تجد إسرائيل نفسها أمام مروحة الخيارات نفسها التي واجهتها في المرحلة السابقة. على هذه الخلفية تحرص تل أبيب على أن تبدو أكثر تشدداً في مواقفها السياسية، وأكثر حرصاً على إظهار الجهوزية العملانية. هذا التشدد عبر عنه رئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو، ويهدف به إلى أن يبدو كزعيم يميني متصلب في كل ما يتعلق بحاجات بلاده الأمنية، وخاصة أن منافسيه من داخل المعسكر الذي ينتمي إليه يحاولون الالتفاف عليه من ناحية اليمين، كما أن الاحتلال يحرص على الحؤول دون تحقيق المقاومة أي إنجازات سياسية جراء صمودها في الميدان.
لجهة الجهوزية العملانية، فعلى الرغم من تأكيد الإسرائيلي رفض أي محاولة لفرض واقع استنزافي مقلق على الدولة العبرية، فإن الهدف الآني للمواقف التصعيدية هو محاولة ردع فصائل المقاومة عن أي خيار عملاني للضغط في الميدان امتداداً للمفاوضات في القاهرة.
وباستثناء من لهم علاقة مباشرة بصنع القرار، من الصعب العثور على من يدعي في إسرائيل أنها استطاعت أن تحقق نصراً عسكرياً على المقاومة. مع ذلك، يلاحظ أن رئيس وزراء العدو يصر على تقديم الفصائل الفلسطينية كأنها خسرت. وهو ما يمكن تفسيره، إلى جانب المكابرة بأن نتنياهو يعتمد على تحديد هوية الرابح والخاسر انطلاقاً من معيار عدد القتلى والجرحى، من المدنيين تحديداً. وهذا يوضح أن تل أبيب تراهن على أن يكون لسياسة المجازر التي اعتمدتها تداعيات على مستوى ردع المقاومة.
أيضاً، حاول نتنياهو القول إن الخسارة العسكرية للمقاومة في غزة أمرٌ مسلّم به، مضيفاً: «إذا كانت حماس تعتقد بأن بمقدورها التغطية على خسارتها العسكرية بإنجاز سياسي فهي مخطئة»، وكل ذلك لإقناع معسكر اليمين الذي انتقد المفاوضات وأقرّ بتصدع قدرة الردع، لذا زعم نتنياهو أن «حماس تلقت ضربة قاسية جداً».
الأهم هو تأكيده أن الوفد الإسرائيلي في القاهرة «يعمل وفق توجيه واضح هو الإصرار على الاحتياجات الأمنية لإسرائيل»، وفقط «إذا تلقينا استجابة لهذه الاحتياجات سنوافق على التوصل إلى تفاهمات». ومع أن هذا النوع من المواقف يتسم بالعمومية، إلا أنه يهدف أيضاً إلى تقديم نتنياهو كحارس للأمن الإسرائيلي وأنه يعمل وفق هذا المعيار الذي يحاكي وجدان جمهوره.
على خط مواز، قررت إسرائيل استباق اليوم الذي يلي الإعلان عن إخفاق المباحثات عبر خطوات أحادية تنطلق من مخاوف تتصل بالمسار السياسي اللاحق واحتمال الإخفاق. ولاحتواء تداعيات كهذه، يندرج ما قدمته وزيرة القضاء، تسيبي ليفني، خلال الأسابيع الماضية، تحت عنوان «تسوية مقابل العالم». وتتضمن هذه الخطوات تسهيلات لسكان غزة تحظى بدعم المجتمع الدولي والدول العربية من دون التوقيع على اتفاق مع «حماس».
في السياق، دعا وزير الاقتصاد، اليميني المتطرف نفتالي بينيت، إلى إنهاء العدوان بصورة أحادية الجانب وتخفيف الحصار على القطاع عبر فتح المعابر والبدء فعلياً بفتح مجال أوسع للصيادين في غزة، «مع منح الجيش حرية تنفيذ عمليات»، ملحماً إلى أن حماس لن تلتزم وقف النار دون اتفاق، لكنه أضاف: «الوضع بين إسرائيل وحماس غير تناسبي أبداً»، فهم فقدوا معظم الأنفاق والصواريخ، وفق ادعائه.
(الأخبار، رويترز، أ ف ب، الأناضول)