طرابلس | على رغم ما رافق تحرّك البرلمان الليبي، بشكل مفاجئ الأسبوع الماضي، لسحب الثقة من حكومة فتحي باشاغا وإيقاف رئيسها وإحالته إلى التحقيق بشكل دراماتيكي ومن دون تخطيط، من لغط، إلّا أن هذه الخطوة التي أعلن رئيس البرلمان، عقيلة صالح، عدم رضائه عنها، ربّما تكون بداية لمسار سياسي جديد، لا يشمل حكومتَي باشاغا وعبد الحميد الدبيبة على السواء. وفي وقت يتعقّد فيه مسار التفاوض بين المبعوث الأممي إلى ليبيا، عبد الله باتيلي، وبين الأطراف الليبية المختلفة، على خلفية اتّهامه إيّاها بالتقصير وتعطيل المسار السياسي للاستفادة من الوضع الحالي، بدأ رئيس «المجلس الأعلى للدولة»، خالد المشري، تحرّكات للمساعدة في الاتفاق على تشكيل حكومة موحّدة مصغّرة تكون مسؤولة عن إجراء الانتخابات. وكان فوجئ «الأعلى للدولة»، الذي يعدّ الذراع التشريعي الثاني، بدوره، بقرار إيقاف حكومة باشاغا، والذي برّره النواب بعدم التزام الحكومة بالعمل من طرابلس حتى الآن، وهو ما لا يبدو منطقياً، بالنظر إلى أن دخول طرابلس يعني حرباً جديدة وتجدّداً للأعمال العسكرية، التي قبلت الأطراف العمل عبر اللجنة العسكرية «6+6» لتجنّبها.وتبدو مبادرة المشري، الداعية إلى تشكيل حكومة بديلة من حكومتَي الدبيبة وباشاغا بهدف تيسير تسليم السلطة، متوافقةً مع رؤية المبعوث الأممي الساعي إلى إجراء الانتخابات في أقرب وقت، وأيضاً مع تحرّكات رئيس «المجلس الرئاسي»، محمد المنفي، المتطلّع إلى تشكيل حكومة وحدة وطنية لا يكون من حقّ رئيسها الترشّح للانتخابات الرئاسية أو البرلمانية المقبلة. كذلك، تتّفق تحرّكات الرجلَين مع مقاربة رئيس البرلمان الذي شكّك في صحّة الإجراءات التي اتُّبعت من أجل إيقاف حكومة باشاغا، ومدى توافقها مع القانون، ناقلاً عن الأخير استياءه من تقديمه ككبش فداء للأخطاء التي وقعت خلال الفترة الماضية، علماً أن وزير ماليته، أسامة حماد، الذي عُيّن بديلاً منه، لم يَقُم إلى الآن بأيّ إجراء فعلي من أجل إدارة الحكومة.
على خطّ موازٍ، تَتجدّد التحرّكات الإقليمية للتوفيق بين مختلف الأطراف، بدءاً من محاولة إقناع الدبيبة، الراغب في خوض الانتخابات الرئاسية، بالتنازل عن رئاسة الحكومة مقابل إتاحة الفرصة أمامه للترشّح، مروراً بالسعي إلى التقريب بين صالح والمشري اللذَين بدأت بوادر الخلافات بينهما بالظهور مجدّداً، وصولاً إلى التفاوض مع اللواء المتقاعد، خليفة حفتر. وتتطلّع هذه التحرّكات إلى حسم البنود الخلافية في قانون الانتخابات، ومن ثمّ إقرارها في البرلمان أملاً في إجراء الانتخابات قبل نهاية العام الحالي. كما يُفترض التأكّد من جاهزية مفوضية الانتخابات للقيام بعملها، فور التأكّد من استقرار الوضع الأمني بشكل كامل وجاهزية قوائم الناخبين. وشهدت الأيام الماضية سجالاً حول القوائم التي جرى الانتهاء منها مسبقاً، مع اكتشاف حالات تزوير لهويّات بعض الأشخاص الذين مُنحوا الجنسية الليبية في الفترة الماضية من دون أن يكونوا ليبيين بالأساس، وهو ما قد يُستغلّ كدافع في المستقبل للتشكيك في العملية الانتخابية. على أنه حتى لو تمّ حلّ الإشكاليات المتّصلة بالمفوضية، فإن تمسّك صالح وحفتر باستقالة الدبيبة وليس تجميد منصبه على غِرار ما حدث عند محاولة إجراء الانتخابات الماضية، سيشكّل عقبة إضافية على طريق إنجاز الاستحقاق.