في مثل هذه الأيام تماماً، في العام 2013، كان جنود الجيش السوري، إلى جانب مقاتلي «حزب الله»، يخوضون أوّل معركة كبرى مع «جيش» المسلّحين السوريين والأجانب، في مدينة القصير الحدودية مع لبنان، في ريف حمص. كانت هزيمة المسلّحين في القصير وأريافها، بعد معارك ضارية ودامية، بداية «قصة الانتصار» بالنسبة للدولة السورية وحلفائها في «محور المقاومة»، وبداية الانحدار بالنسبة للمجموعات المسلّحة والدول الداعمة لها في المنطقة والعالم. شكّلت تلك المعركة المؤشّر الأول إلى «إمكانية» إعادة الإمساك بالميدان بالنسبة للدولة السورية، بعدما كانت بقعة سيطرة المسلّحين آخذة في الاتّساع أكثر يوماً بعد يوم. الآن، وبعد 10 سنوات تماماً، يمكن القول إن حضور الرئيس السوري، بشار الأسد، قمّة جدة، أمس، كان الإعلان الصارخ عن فشل المسار الذي راهنت عليه الغالبية الساحقة من دول الإقليم والعالم، وعلى رأسها الولايات المتحدة الأميركية، والذي كان يطمح إلى إسقاط الدولة السورية، وانتزاعها من موقعها في الإقليم، وحرفها عن دورها في دعم المقاومة.هكذا، لم يعد للنقاش حول هوية المنتصر في الحرب السورية، أيّ قيمة أو جدوى. وربما حتى القيادة السورية، لا تحبّذ الخوض في نقاش مماثل، وفي عملية حساب وجرد للنقاط الرابحة والخاسرة. ما يريده أيّ عاقل اليوم، هو إنهاء الحرب عملياً وفي الميدان، والبدء بعملية إزالة آثارها على كلّ المستويات. وهذه عملية طويلة جدّاً، ومكلفة جدّاً، لكن لا بد من إطلاقها. ولا يكون هذا إلّا بالوصول إلى حلّ سياسي حقيقي قابل للحياة على مقاس السوريين أنفسهم، لا على طريقة ومقاس مصالح الدول الغربية والولايات المتحدة، وبعض دول المنطقة. كما لا بدّ لـ«المصالحة» السورية - العربية، أن تنعكس مصالحة واسعة، أو مصالحات، داخل سوريا. ولهذا تجارب سابقة، في جنوب سوريا بمساعدة الإمارات التي رعت تسوية بين الدولة والمسلّحين، وفي الغوطة الشرقية بمساعدة ورعاية السعودية. وهذه تجارب يمكن البناء عليها، مع اختلاف في مستوى نفوذ هاتَين الدولتين وغيرهما، في المناطق التي يسيطر عليها المسلّحون اليوم، حيث النفوذ الأكبر هو لتركيا بشكل خاصّ، وهو ما يرهن مصيرها بما يمكن أن يُفضي إليه مسار التقارب بين سوريا وتركيا.
لن يكون مفاجئاً، لو صارت السعودية، قريباً، عضواً في منصّة أستانا


وبحسب مصادر متابعة، فإنه «لن يكون مفاجئاً، لو رأينا السعودية قريباً عضواً في منصّة أستانا، إلى جانب روسيا وتركيا وإيران»، مع ما يعنيه ذلك من مساهمة سعودية في الحلّ السوري. وفي المقابل، ترى هذه المصادر، أن «سوريا قد تجد طريقها للعودة إلى لعب دورها الإقليمي، من البوابة السعودية»، حيث سيكون بين الدولتَين اتفاق «مراعاة المصالح القومية، بحيث تراعي سوريا مصالح السعودية في سوريا وملفّات أخرى، بينما تراعي السعودية المصالح السورية في ملفّات في المنطقة، مثل الملف اللبناني بشكل خاصّ». وعلى الرغم من أن المشهد العام في جدة، كان إيجابياً بالنسبة إلى سوريا، إلا أن الواقعية، وعشرات التجارب السابقة، تفرض نظرة حذِرة إلى تطوّر «المسار العربي» تجاه سوريا. حيث إن النقاط التي وردت في قرارات مجلس الجامعة، لم تناقش آليات واضحة وبرامج وخططاً مُفترضة للحلّ. وقد وردت في القرارات عبارة «ضرورة اتّخاذ خطوات عملية وفاعلة للتدرّج نحو حلّ الأزمة»، وهو ما يذكّر بالمبادرة القديمة ــــ الجديدة، والتي أُعيد طرحها في اجتماع عمّان مطلع الشهر، وهي «خطوة مقابل خطوة»، علماً أن هذه الأخيرة لا تلقى قبولاً كاملاً لدى القيادة السورية، وتحتاج إلى نقاش معمّق في كلّ خطوة ومقابلها.
لكن في صورة أوسع، فإن كلّ هذا المسار التصالحي بين سوريا وبعض الدول العربية، كان وليدَ مجموعة كبيرة من المتغيّرات الدولية والإقليمية، الخارجة عن سيطرة وربما تأثير أيّ من المجتمعين في جدّة أمس. ذلك أن احتدام الصراع الدولي بين روسيا والغرب، وانفجاره في أوكرانيا، وبين الصين والولايات المتحدة، وأيضاً بين إيران والغرب، كان لا بدّ أن يترك أثره البالغ على مجمل المشهد في المنطقة. وكانت بداية هذا المسار، في قناعة حلفاء واشنطن في المنطقة بضرورة تنويع الشراكات، وفي مقدّمة هؤلاء السعودية، التي انكَوت بنار تراجع النفوذ الأميركي، بعد الهجوم على منشآت «أرامكو» عام 2019. وبعد نحو شهر واحد من اندلاع الحرب في أوكرانيا العام الفائت، دشّنت الخارجية السعودية حملة لإقناع الدول العربية الحليفة، بضرورة إجراء مراجعة للمواقف الخارجية تناسباً مع المتغيّرات الدولية المستجدّة. لكن أيّ نقاش في ما جرى، لا يجب أن يتجاوز حقيقة جوهرية، وهي أنه بينما كان «الكونغرس» الأميركي قبل أيام، يذكّر بقانونَي «قيصر» و«الكبتاغون»، الراميَين إلى حصار سوريا وتجويعها، وبينما تَصدر البيانات تلو الأخرى عن الخارجية الأميركية و«البيت الأبيض»، حول «عدم» دعم واشنطن لمسار عودة العلاقات العربية - السورية، كان وليّ العهد السعودي، محمد بن سلمان، يرعى «حفل» إعادة سوريا إلى مقعدها في «الجامعة العربية»، مع ما يعنيه التزامن من تحوّلات غير خافية في السياسة الخارجية السعودية، وفي شكل العلاقات السياسية والاقتصادية في المنطقة، علماً أن ابن سلمان يقدّم نفسه على أنه الرجل الذي «أنهى» الحرب (على سوريا)، والتي بدأها غيره.