الموت، سلعة الخريطة والجغرافية. ينظر الساسة من علو إليها، يسألون أحد الاختصاصيين لديهم بعلم السكان: كم العدد هنا؟ مليون وكذا. يتمهل، يفكر، يتأمل، يضع إصبعه على الخريطة ويقول لتكن الحرب هنا.لعل هذا ما يحدث في الغرف المغلقة في أعالي الأبراج العالية جداً، تلك القريبة من سقف السماء وتكاد تصله لولا القليل من حب الدمار...

هو الموت إذاً، بقرار بعض التجار، تجار الأسلحة والنفط والاسمنت والأعراض الوطنية. هذا ما أعتبره منطقياً طالما أن الموت محكوم بحضور الملاك عزرائيل، ليأتي ويقبض الأرواح، في حين أن مجزرة إسرائيلية واحدة، تحصد سبعين شهيداً معاً. هل يدركهم معاً؟ كيف يقبض أرواح سبعين مرة واحدة؟ هل هناك قرار حتمي بإزالة أولئك الفقراء الذين نتابعهم منذ أيام يقتلون ويسفك دمهم؟
من يعتقد أن هذا الدم سيذهب هدراً مخطئ، هذا الدم سيصرخ بأعلى ما عنده، سينده غزة، سيكفر بها ويعانقها، سيحك الدم السائل في الأرض، دم الشهداء ممن سبقوهم، سيسألون لماذا قتلنا؟ لماذا نموت؟ لماذا ما زالت أبواب السماء مفتوحة لنا؟ وهم لماذا ما زال أولادهم مختبئين في الملاجئ يضحكون؟ لماذا علينا نحن الموت؟ لماذا؟ من يجيبني؟
سأقول لكم: الموت سيصرخ من غزارة الدم المسفوك. سينتفض هو أيضاً ويرفض موت الفلسطينيين. سيطالب ملاك الموت الله بأن يميت من باقي البشر ما هو ضروري لتتوازن الحياة، وتتوازن الكراهية. والقنبلة التي ستنفجر لتنفجر، ولكن لتنشطر إلى نصفين، لنا نحن الفلسطينيين وللأعداء الإسرائيليين.
ليس من حق الحرب أن تأخذ منا فقط، ليس من حق الأرض أن تشرب من دمنا فحسب، وليس من حق العرب أن يجلدونا مع الجلاد...
سيصرخ الدم مجدداً بوجه كرسي الحاكم العربي، سيدخل الدم الفلسطيني في معادلة الصندوق، ويُسقِط الرئيس العربي المنتخب والملك الجالس على العرش.
سيصرخ الدم والموت صداه، ويتنبهان معاً للطائرة حين تقصف المقبرة وتقتل الشهداء. لن تكون الحياة ها هنا مضطرة لمزيد من الشهود، لن تكون ملزمة أن يُشهد حزن الأم على فقدان ابنها...
لن تكون غزة محتاجة للبكاء فقد بكت واكتفت، واكتفى من عرسها الشاهد والشهيد. والضفة الغربية معنية تماماً بالشقيقة أو بامتداد السياسة وانفصال الجغرافية أو بما تشاء، لكنها معنية. تسقط أوسلو، يسقط الحلم السلمي، يسقط الكلام، يسقط كل من يهادن، فليسقط كل من لم يسقط لأجل الأرض لأجل فلسطين في مواجهة إسرائيل القذرة...