بغداد | عاد «الاتحاد الوطني الكردستاني» بزعامة بافل طالباني، قبل أيام، إلى المشاركة في اجتماعات حكومة إقليم كردستان، بعد مقاطعة طويلة، بسبب خلافات على ملفّات كثيرة مع «الحزب الديموقراطي الكردستاني» بزعامة مسعود بارزاني. وجاءت هذه العودة إثر جملة اجتماعات كان أبرزها اللقاء بين قوباد طالباني ورئيس حكومة الإقليم، مسرور بارزاني، في أربيل، أكد الحزبان، في بيان مشترك بعدها، فتح صفحة جديدة في العلاقات لإعادة ترتيب البيت الكردي، من خلال تعزيز الدستور وإجراء الانتخابات البرلمانية في الإقليم. ويبدو أن المصالح المشتركة بين الحزبَين مهّدت الطريق أمام عودة العلاقات، وخاصة أنهما يلتقيان على المطالب ذاتها، لناحية حصّتهما من الموازنة المالية لحكومة بغداد، ورواتب الموظفين والنفط، والتنسيق الأمني بين الجيش العراقي وقوات "البيشمركة" في المناطق المختلَف عليها إدارياً. أمّا الخلافات فتتمثّل في تقاسم ثروات النفط في الإقليم وإدارتها، والتصرّف بإيرادات المنافذ والمطارات، وهما نقطتان أدّتا، عام 2022، إلى تعليق الاتحاد مشاركة وزرائه ونائب رئيس الحكومة، قوباد طالباني، في اجتماعات مجلس الوزراء.وعلى خلفية التفاهمات الأخيرة، دعت بعثات دبلوماسية وممثّلية الاتحاد الأوروبي في العراق، إلى عدم التأخير في إجراء انتخابات الإقليم. كما طالبت السفيرة الأميركية لدى بغداد، ألينا رومانوسكي، باستثمار الفرصة لحلّ مشكلات كردستان من خلال الحوار، فيما وصفت مساعدة وزير الخارجية الأميركي، باربارا ليف، خطوة لقاء بارزاني وطالباني بـ«العظيمة». أمّا على المقلب الكردي، فيصف النائب عن «الحزب الديموقراطي»، شريف سليمان، علاقة الحزبَين بـ«الأخوية»، لافتاً، في تصريح إلى «الأخبار»، إلى أن «بيننا تاريخاً مشتركاً ومصالح مشتركة منذ سنوات». ويعتبر أن «حلّ الخلافات داخل الإقليم سينعكس إيجاباً على استقرار الوضع الاجتماعي والسياسي»، معرباً عن تفاؤله بأن «تكون الخطوة القادمة هي التحضير لإجراء الانتخابات، ومناقشة المشاكل العالقة لناحية توزيع الثروات النفطية بشكل عادل»، لافتاً إلى أن حكومة بغداد بذلت مساعي كبيرة لتقريب وجهات النظر بين الحزبَين، ولا سيما من جانب رئيسها، محمد شياع السوداني، الذي زار الإقليم للتفاهم على حلّ الأزمة.
تَعتبر أطراف كردية معارضة لسلطة الإقليم عودة العلاقة بين الحزبَين «وقتية» ومبنية على «المصالح»


بدوره، يصف القيادي في الحزب، محما خليل، «التهدئة الأخيرة بين الحزبَين بأنها خطوة إيجابية ينبغي استثمارها من قِبل الطرفين، وخاصة أن الإقليم يعاني أزمات كثيرة؛ منها ما يتعلّق بالموارد المالية وقضية استئناف ضخّ النفط عبر تركيا». ويشير خليل، في تصريح إلى «الأخبار»، إلى أن «الحزبَين توصّلا إلى نقطة مهمّة، هي أن الخلافات لم تُجدِ نفعاً لهما، ولذا سعى الزعيم مسعود بارزاني إلى حلحلة الخلاف». أمّا النائبة عن «الاتحاد الوطني الكردستاني»، سروة محمد، فترى أن «من مصلحة إقليم كردستان الابتعاد عن الخلافات»، معتبرةً أن «الاجتماعات الأخيرة تبشّر بخير، وفتح صفحة جديدة ووضع مصلحة مواطنينا فوق مصالحنا». وتلفت محمد، في تصريح إلى "الأخبار"، إلى أنه «خلال الفترة الأخيرة، كان هناك تنازل من الطرفَين لغرض محو آثار الماضي»، مضيفةً إن «حكومة الإقليم عقدت اتفاقاً مع حكومة بغداد في قطاع النفط، وأعتقد أننا سنلتزم بتعليمات الحكومة الاتحادية بما يخدم مصلحة العراق». وتستبعد فشل هذا الاتفاق، موضحةً أن «زيارة السوداني الأخيرة للإقليم كانت إيجابية، وجزء منها يتعلّق بتراخيص وعقود شركات النفط العاملة في الإقليم، هذا فضلاً عن استئناف ضخّ نفط كردستان عبر الأراضي التركية في أسرع وقت ممكن، تحاشياً للأضرار الاقتصادية التي قد تعصف بالعراق بشكل عام، وبالإقليم بشكل خاص».
في المقابل، اعتبرت أطراف كردية معارضة لسلطة الإقليم، عودة العلاقة بين الحزبين «وقتية» ومبنيّة على «المصالح». وفي هذا الاتجاه، ترى رئيسة كتلة «الجيل الجديد» النيابية المعارضة، سروة عبد الواحد، أن «عودة العلاقات بين الحزبَين لم تكن جادّة وجوهرية»، لافتةً، في حديث إلى «الأخبار»، إلى أن «الخلافات بينهما كانت مصلحية ولا تتعلّق بمبادئ الحكم في إقليم كردستان، القائمة على قمع الحريات والفساد والسيطرة على المنافذ الحدودية». وتضيف إن «خلافهما كان بسبب تقسيم الثروة النفطية، ويبدو أنه سيُحلّ من خلال عودة تصدير النفط إلى تركيا، وكيفية توزيع الأموال بين الحزبين». وتدعو إلى «إجراء الانتخابات في الإقليم وعدم تأجيلها، لأن برلمان الإقليم غير شرعي وحكومته منتهية الصلاحية».
من جهته، يُذكّر المحلل السياسي الكردي، شاهو قرداغي، بأن «العلاقات بين الحزبين تدهورت خلال الفترة الماضية إلى درجة التلميح إلى اللجوء إلى السلاح من قبل بعض القيادات الحزبية»، مستدركاً بأن «الضغوط الخارجية وبالأخص الأميركية، مع إدراك الجانبين صعوبة إدارة الإقليم في ظلّ هذه الخلافات، كانت السبب وراء استقرار الأوضاع». لكن قرداغي يتوقّع، في حديث إلى "الأخبار"، أن «تتدهور العلاقات مجدّداً، وخاصة أن القيادات الجديدة يبدو أنها لم تستفد كثيراً من تجارب الماضي، في ظلّ محاولة كل حزب فرض نفوذه وزيادة هيمنته». وإذ يلفت إلى أن الخلافات انعكست سلباً على الكثير من الملفّات السياسية والأمنية والمالية، ومن ضمنها إجراء الانتخابات، فهو يعتقد بأن التقارب بين الحزبَين سيكون استجابة للدعوات الدولية «لتجنّب وجود إشارات استفهام على شرعية المنظومة السياسية في الإقليم في ظلّ تأجيل الانتخابات بهذه الصورة».