وتُعتبر هذه الحملة الثانية من نوعها ضدّ «التحرير»، بعدما تمكّنت «الهيئة»، خلال الحملة الأولى التي نفّذتها مطلع العام الحالي، من القبض على عدد كبير من متزعّمي الحزب، لتأتي الحملة الأخيرة وتنهي وجوده على الأرض. وتقرأ المصادر في ذلك «خطوة أخيرة لمنع أيّ صوت يعارض التطبيع التركي مع دمشق، والذي يسعى الجولاني إلى أن يكون شريكاً فيه بالنسبة إلى أنقرة، مستغلّاً مجموعة كبيرة من العوامل المساعدة، أبرزها وجود عدد كبير من مخيمات النازحين في مناطق سيطرته قرب الحدود التركية، ومشاريع البناء التي تنفّذها تركيا بالشراكة معه لإعادة توطين اللاجئين السوريين». وإضافة إلى منع التشويش على العلاقة بين «الهيئة» وتركيا، تشير المصادر إلى أن الجولاني يستهدف، من وراء حملته، إغراء الغرب بإزالة جماعته من لوائح الإرهاب، على اعتبار أن «التحرير» ينتشر في دول عدّة، ويسعى إلى تأسيس «إمارة إسلامية» واسعة، بينما رجل «القاعدة» السابق أعلن أكثر من مرّة اقتصار نشاط جماعته على سوريا، ودأب على الترويج لتغيير آلية الحكم في مناطق سيطرته ومنح الأقليات مساحة أوسع من الحرية.
العملية التي نفذتها «الهيئة» ضد «حزب التحرير» جاءت بطلب مباشر من أنقرة
وسيكون بمتناول الجولاني، في حال إزالة صفة الإرهاب عن جماعته، لعب دور أوسع في المرحلة المقبلة، أيّاً كانت نتائج الانتخابات التركية، على الرغم من الدعم الكبير الذي تُظهره «الهيئة» لحزب «العدالة والتنمية» في هذه المعركة. إذ نظّم كوادر في «تحرير الشام»، ومعهم معارضون سوريون آخرون، حملات واسعة دعوا من خلالها السوريين من حملة الجنسية التركية إلى انتخاب الرئيس التركي، رجب طيب إردوغان، وهو ما ذهب إليه أيضاً رئيس الحكومة السورية المؤقتة التي تنشط من إسطنبول (والتابعة لـ«الائتلاف السوري» المعارض) عبد الرحمن مصطفى، الذي يحمل الجنسية التركية، مثيراً ردود فعل ساخرة في الداخل السوري حول قيام «رئيس حكومة يفترض أنها سورية بانتخاب رئيس تركي».
في هذا الوقت، يتابع المبعوث الأممي إلى سوريا، غير بيدرسون، محاولاته لإعادة إحياء المسار الأممي للحلّ في سوريا (اللجنة الدستورية)، عن طريق استثمار موجة الانفتاح على دمشق. وأجرى بيدرسون لقاءات واتصالات مع أطراف عربية عديدة، من بينها مصر والسعودية التي تستضيف في الوقت الحالي وفداً حكومياً سورياً للاستعداد للقمّة التي تنعقد في جدة بعد ثلاثة أيام، والتي من المنتظر أن يشارك فيها الرئيس السوري، بشار الأسد. كما شملت لقاءاته إيران وروسيا، الشريكتَين في مسار التطبيع بين أنقرة ودمشق، أملاً في تحويل مبادرته «خطوة مقابل خطوة» التي تتقاطع مع المبادرة الأردنية، إلى مسار واقعي يمكن المضيّ فيه، خصوصاً بعدما أبدت الحكومة السورية مرونة في مناقشة ملفّات مختلفة، إضافة إلى سماحها بتمديد إدخال مساعدات عبر الحدود (من تركيا) عن طريق ثلاثة معابر إلى الشمال والشمال الغربي من سوريا، لثلاثة أشهر إضافية.