أثمر الصمود والأداء النوعي اللذان سجّلتهما حركة «الجهاد الإسلامي» وذراعها العسكرية «سرايا القدس»، على مرّ خمسة أيام من المواجهة مع الاحتلال، اتفاقاً ظرفياً يمكن القول إنه أفضل ما حقّقته الحركة في خلال الجولات الثلاث التي خاضتها منذ عام 2019. صحيحٌ أن لا شيء يضمن التزام العدو بما جرى التوصّل إليه، وخصوصاً بعدما أثبت الوسيط المصري أن كلمته غير مسموعة عندما تقرّر إسرائيل أن «تركب رأسها»، إلّا أن مجرّد رضوخ حكومة بنيامين نتنياهو لمطلب «الجهاد»، المتمثّل في وقف الاغتيالات «غير المتناسبة» لقيادات المقاومة، إنّما يحمل دلالات كبيرة ستكون لها تداعياتها على موازين القوة القائمة بين المقاومة وإسرائيل. من جهة الأولى، استطاعت «الجهاد»، ومعها بقية الفصائل في «الغرفة المشتركة»، تصليب معادلة «وحدة الساحات»، وانتزاع حقّها في العمل ضدّ الاحتلال من دون أن يستتبع ذلك اعتداءات على المدنيين في قطاع غزة، ما يجيز توقّع موجة اشتباك أكبر في الضفة الغربية، حيث عملت «الجهاد»، خصوصاً، بأسنانها وأظافرها، من أجل تقوية الخلايا الناشئة هناك. ومع أن الاتفاق الأخير لم يشمل الحديث عن القدس المحتلّة، إلّا أن إبرامه وحده قد يكون كفيلاً بحمل العدو على إعادة حساباته في ما يتّصل بـ«مسيرة الأعلام»، تحت طائلة الانجرار إلى جولة جديدة ستضع المستوطنين و«دولتهم» تحت ضغط تغيب الحافزية إلى تحمّله، فيما «القبّة الحديدية»، التي هي «الحيلة والفتيلة»، تتكاثر أخطاؤها، وتبيّن أكثر عجزاً عن توفير الحماية. أمّا إسرائيل، فهي «تحور وتدور» لتعود وتجد نفسها أمام معضلة متقادمة اسمها غزة، لم تستطع أن تبتدع لها حلّاً منذ سنوات، فيما لم تفلح الجولة الأخيرة في تحقيق أيّ شيء «استراتيجي» حيالها. وإذا كانت هذه هي حال دولة الاحتلال في مواجهة الحلقة الأضعف في قوس الأعداء، فكيف سيكون وضعها في مواجهة أعداء متعدّدين وساحات مترابطة، تخشى تل أبيب من أن اشتعالها مجتمعةً سيكون بمثابة «يوم القيامة» بالنسبة إليها