رام الله | لم يرتَوِ المتطرّف إيتمار بن غفير، وزير «الأمن القومي» في حكومة العدو، من دماء الفلسطينيين التي سُفكت خلال أيام العدوان الخمسة على قطاع غزة؛ فما إن أُعلن عن التوصّل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار، حتى خرج ليدقّ طبول الحرب من جديد، ويدعو إلى سفك المزيد من دماء الفلسطينيين، مطالباً ببدء عمليّة عسكرية ضدّ الفصائل الفلسطينية في الضفة الغربية، وقائلاً، خلال اجتماع مع أعضاء حزبه: «أثّرت فيّ العملية (العدوان على غزة)، الطلب التالي للاغتيالات والقتل في يهودا والسامرة (الضفة الغربية)». وتابع: «لا يمكننا الدخول في فترة احتواء وهدوء. يجب أن تكون العمليّة القادمة في يهودا والسامرة... عدد غير قليل يخرجون من هناك...». وشدّد بن غفير على أنه «إذا اعتقد المتحدّثون باسم الليكود أنّني سآتي بذيل بين ساقيّ، فإن الوضع هو عكس ذلك. تأثّرت بالعمليّة... لن نفكّك الحكومة اليمينية، لكنّنا لن نجلس في حكومة تتبع خطاً غير يميني». وبن غفير الذي أنهى مقاطعته لاجتماعات الحكومة، دقائق بعد اغتيال قادة «سرايا القدس» على يد الاحتلال، وشَنّ عدوان على القطاع استمرّ خمسة أيام - وهو أحد اشتراطاته لإنهاء خلافه مع نتنياهو -، عاد هذه المرّة للتحريض على الضفة الغربية، لكونه يشعر بأن ضغوطه تؤتي ثمارها، وأن ما حدث في غزة يمكن أن يتكرّر في الضفة.وإذا كان ثمن إرضاء بن غفير، هو المزيد من الدم الفلسطيني، فإن نتنياهو لا يمانع ذلك بالمرّة، وخاصّة إذا كان يعتقد بأن ساحة الضفة باتت وحيدة بعد العدوان على غزة، وأن المقاومة في القطاع لن تكون قادرة على الدخول في مواجهة جديدة، إذا ما حدث أيّ تطوّر في الضفة الغربية أو القدس. وليس خافياً أن مسألة شنّ عملية واسعة في الضفة، وتحديداً في شمالها، طُرحت للنقاش على طاولة الأجهزة الأمنية والعسكرية الإسرائيلية، وتناقلتها وسائل الإعلام العبرية، وكانت خياراً متقدّماً للتنفيذ إلى جانب شَنّ عدوان على قطاع غزة (وهو ما حصل)، في الوقت الذي لم يتوقّف فيه الجيش عن تنفيذ اقتحامات واعتقالات وإعدامات يومية. وفي هذا الإطار أيضاً، نفّذ جيش الاحتلال عمليّة عسكرية في البلدة القديمة في مدينة نابلس صباح أمس، استهدفت خليّة مقاومة يتّهمها بأنها وراء عمليّة إطلاق النار في بلدة حوارة، والتي أصيب فيها ثلاثة جنود، واعتقل منفّذوها. وجاءت العملية في حارة القيسارية، بعد أقلّ من 24 ساعة من عملية واسعة استَهدفت مقاومين في مخيم بلاطة في مدينة نابلس، أسفرت عن إعدام شابين، بعد فشل العمليّة وتمكُّن المقاومين من الانسحاب من المنزل الذي حوصروا فيه، بعدما أمطروا القوات الخاصّة التي حاصرت المنزل بالرصاص وأوقعوا إصابات مباشرة في صفوفهم، وفق شهود عيان، قبل أن يُقدِم جنود الاحتلال على الانتقام من الأهالي بإطلاق النار العشوائي عليهم وقصف المنزل بالقذائف، ما أدّى إلى احتراقه. وارتفعت، في الأشهر الأخيرة، وتيرة استهداف مخيم بلاطة الذي يُعدّ الأكبر في الضفة الغربية، ولا سيما مع انطلاقة «كتيبة المخيم» أسوة بمخيمات ومواقع أخرى في الضفة، وتنفيذها عمليّات مختلفة ضدّ الاحتلال ومستوطنيه والاشتباك معهم. وقد ارتقى اثنان من قادتها، هما: سعود الطيطي ومحمد أبو ذراع، في نيسان الماضي، أثناء توجّههما لتنفيذ عملية إطلاق نار على مستوطنة إيتمار شرق نابلس.
يُتوقّع أن تُصعّد إسرائيل عدوانها في الضفة الغربية، في الفترة المقبلة، عسكريّاً واستيطانيّاً


وعلى رغم الدمار الهائل الذي ألحقه العدوان بغزة، إلّا أن الفلسطينيين باتوا أكثر ثقة بمقاومتهم، وخروجهم منتصرين من هذه الجولة، وذلك انطلاقاً من فشل إسرائيل في فرْض شروطها على المقاومة، بحسب صحيفة «هآرتس» العبرية، التي لفتت أيضاً إلى أن إسرائيل ظلّت، على مدى يومَي الجمعة والسبت، تنتظر مساعدة المخابرات المصرية، على أمل تحقيق وقف دائم لإطلاق النار، نظراً إلى أنها لم تكن قادرة على إملاء استراتيجية خروج من هذه العملية، لا في التوقيت ولا في الشروط التي سعت إليها.
من جهتها، خاضت المقاومة في غزة مواجهات عنيفة ليس آخرها معركة «ثأر الأحرار»، انطلاقاً من المعادلة التي فرضتها، وهي «وحدة الساحات» وعدم الاستفراد بها، بما فيها الضفة الغربية. وبالعودة إلى خلفيات العدوان، فإن سببه المباشر الردّ الكبير الذي نفّذته المقاومة على اغتيال الشيخ الأسير خضر عدنان، والذي شكّل لطمة لحكومة اليمين المتطرّفة، وكذلك المواجهة القصيرة التي وقعت في شهر رمضان والقصف الصاروخي من قطاع غزة وجنوب لبنان وسوريا عقب اقتحام المسجد الأقصى، والذي ينسحب كذلك على معركة «سيف القدس»، وهو ما دفع نائب مستشار الأمن القومي الإسرائيلي السابق، تسيون عيران، إلى المطالبة بالتحقيق مع المسؤولين الذين سمحوا بموت الشهيد خضر عدنان في السجن لأنه أفضى إلى الحرب على غزة والتحقيق مع نتنياهو لعدم استجابته لطلب قادة الجيش والمخابرات بوقف الحرب يوم الخميس الماضي.
تبدو إسرائيل واهمة إذا ظنّت أن شنّ عملية عسكرية على قطاع غزة يمكن أن يسحب المقاومة بعيداً من المعادلات التي سعت إلى فرْضها بالدم، وهي التي حرصت على تجسيدها وهي تحت القصف والعدوان. ولعلّ ذلك تَجسّد في الرسائل التي حملتها الصواريخ التي أُطلقت، يوم الجمعة، على مدينة القدس، والتي قالت «سرايا القدس» إنها بمثابة رسالة للجميع، وإن ما يجري في القدس ليس ببعيد عمّا يجري في غزة، في وقت أجمع فيه محلّلون وخبراء عسكريون إسرائيليون على أن الكيان لم يحقّق أهدافاً مهمّة من وراء عدوانه، باستثناء اغتيال قياديَّين عسكريَّين في «الجهاد»، وأن عدواناً آخر على غزة هو مسألة وقت ليس أكثر.
من هنا، يُتوقّع أن تُصعّد إسرائيل عدوانها في الضفة الغربية، في الفترة المقبلة، عسكريّاً واستيطانيّاً؛ فهي تريد اجتثاث تنامي المقاومة المسلّحة بأيّ طريقة، وإطلاق العنان للمشروع الاستيطاني، سواء من خلال البناء الاستيطاني وتشريع البؤر ومصادرة الأراضي، أو عبر تسهيل مخطّطات الجمعيات الاستيطانية ضدّ المسجد الأقصى، الساعية إلى حشد آلاف المستوطنين للمشاركة في «مسيرة الأعلام» في القدس، الخميس المقبل، وذلك بعدما اتّخذت خطوة هي الأولى من نوعها بتقديم طلب رسمي إلى سلطات الاحتلال للسماح لها بتنفيذ اقتحام جماعي للمسجد، وهي بكلّ تأكيد عوامل انفجار لن تكون حدودها فلسطين المحتلّة فقط، وخاصّة في ظلّ تعهّد العديد من قوى المقاومة بعدم السماح بذلك. واستباقاً لـ«مسيرة الأعلام» التي كانت أحد أسباب معركة «سيف القدس»، فقد هدّد عضو «الكابينت» وزير الاستخبارات الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، أمس، باغتيال مَن يحاول عرقلة المسيرة، قائلاً إن «أيّ تنظيم يحاول المسّ بالمسيرة وإطلاق الصواريخ باتجاه إسرائيل لمنْعها؛ فدم جميع قادته سيكون على طاولة التصفيات، وسنعمل على تصفيتهم كما فعلنا ذلك مع الجهاد الإسلامي»، في إشارة منه إلى حركة «حماس».