أربيل | بَهار منذر، الشابة الكردية التي لا تجيد بالعربية، تشرف على أكبر حملة مدنية لـ «الدفاع عن الناطقين باللغة العربية في كردستان». حين دخل المسلحون المتطرفون بلدة سنجار، ولاحقاً بلدتي مخمور وكوير، على بعد أقل من ٣٥ كيلومتراً عن عاصمة الإقليم الكردي، شعر السكان بأن العرب قد يتحولون إلى خلايا نائمة تساعد تنظيم «الدولة الإسلامية» في حال دخل مدن الإقليم.
ويسيطر الخوف على سكان كردستان بسبب تقدم المسلحين في المناطق الكردية، ومناطق الأقليات التي تخضع لسيطرة قوات البشمركة منذ سنوات، وجاء هذا الخوف لينعكس سلباً على النازحين العرب في الإقليم. ويتساءل بعض السكان الأكراد، «ما الذي يضمن أن لا يحمل العرب المؤيدون للدولة الإسلامية السلاح ضد الكرد؟».
وكان الأسبوع الماضي قد شهد تفاقم الدعوات الكردية لطرد العرب، وحاول شبان أكراد تشكيل رأي عام محلي يدعم توجهاتهم تلك، وبالفعل نظموا تظاهرات في كل من أربيل والسليمانية تطالب بإخراج العرب. بَهار وناشطون آخرون في إقليم كردستان، كانوا قلقين من تصاعد المشاعر الشوفينية داخل إقليم كردستان، وتقول، «مثل هذه الدعوات المتطرفة تنافي مبادئ حقوق الإنسان، كما أنها لا تنسجم مع القيم التي عرف بها الشعب الكردي». وتضيف أنه في الأسابيع القليلة الماضية، تصاعد خطر المشاعر السلبية ضد الناطقين بالعربية في الإقليم، ويوماً بعد يوم، يعبّر البعض عن مخاوفهم من الحرب ضد المتطرفين بدعوات ضد النازحين العرب، مشيرةً إلى أن «هذا في الحقيقة يثير القلق من تصاعد انتهاكات حقوق الإنسان بالنسبة لمجموعات كبيرة من العرب، الذين يعانون أصلاً من وضع إنساني سيء». ومضت تقول إن «هؤلاء النازحين هربوا من التطرف والقتل والحرب، وجاؤوا إلى كردستان». وبدأ ناشطون أكراد عبر المدونات ومواقع التواصل الإجتماعي، شن حملات مكثّفة لحث الناس على عدم المشاركة في التظاهرات، التي عرف الصحافيون فور انطلاقها أنها لم تتمكن من استقطاب أكثر من ٣٠ شخصاً في شوارع السليمانية. ويبدو أن الأمر مختلف قليلاً في مدينة أربيل، حيث نشر سكان عرب وناشطون أكراد صوراً لشعارات خطّها شبان متطرفون قومياً على منازل يسكنها عرب نازحون تطالبهم بالرحيل. ويقول عدد من الناشطين الأكراد الداعين إلى ترحيل العرب، إن بعض العائلات العربية النازحة رفعت شعارات مؤيدة لـ «الدولة».

شرطة أربيل منعت
أي تظاهرة تطالب بترحيل العرب من الإقليم

ويقول رئيس تحرير موقع «آوينه» الإخباري الكردي، ويعني بالعربية «المرآة»، دانا أسعد، إن «شباناً كرد قاموا بعدد من الانشطة في هذا الصدد كحملات تجميع تواقيع والخروج في مظاهرات، إلا أن هذه الأنشطة لم تلق الدعم من قبل النخبة المثقفة والصحافيين والقنوات الإعلامية، بل قاموا بمحاربتها، عن طريق عدم تغطية هذه الفعاليات». وتابع أسعد، «هذه التظاهرات تدل على روح عنصرية، كانت وما زالت بعيدة عن المجتمع الكردي»، مضيفاً «لقد قمنا كمثقفين وصحافيين ونشطاء مدنيين وحتى نخب سياسية، بحملات مضادة عن طريق القنوات الاجتماعية، للحد من هذه النشاطات». وأشار إلى أن «الحملات المضادة، أضرّت بهذه المظاهرات، فلم يشارك فيها سوى عدد قليل غير مؤثر». وقررت مديرية شرطة محافظة أربيل، منع أي تظاهرة تطالب بترحيل العرب من الإقليم، بل هددت بـ «اعتقال أي شخص يشارك في تظاهرة تحرض على ترحيل العرب». وقال المتحدث الرسمي بإسم مديرية شرطة محافظة أربيل الرائد كاروان عبد الكريم، إن «مديرية شرطة أربيل ستمنع انطلاق أي تظاهرة تطالب بترحيل الأخوة العرب من إقليم كردستان». وأضاف أن «وزارة الداخلية في الإقليم أصدرت أوامر اعتقال لأي شخص يشارك في المظاهرة أو يساهم في التحريض ضد العرب واتخاذ الإجراءات القانونية بحقه». وطالب ناشطون حكومة إقليم كردستان بتحديد الدخول العشوائي ورصد تحركات المواطنين من المحافظات العراقية الأخرى في إقليم، مؤكدين أن الجماعات المسلحة تحاول من خلال نازحين عرب تنفيذ مخططاتها ضد إقليم كردستان.
وتشير المصادر المطّلعة إلى وجود أكثر من مليون نازح في إقليم كردستان، أغلبهم من سكان المحافظات التي شهدت أوضاعاً أمنية ساخنة. وفي مؤتمر صحافي لرئيس ديوان رئاسة الإقليم، فؤاد حسين، الأسبوع الماضي في مدينة أربيل، كان حريصاً على نفي «أي نية للسلطات الكردية القيام بترحيل العرب». وقال «لا نفكر أبداً بالقيام بمثل هذا الإجراء»، لكنه أشار إلى أن «بعض العرب الذين يسكنون الإقليم أعلنوا تأييدهم للدولة الإسلامية، وهؤلاء يحاسبون وفق القانون». ورأى أن «هذا الوضع أدى إلى خروج عدد من الشباب ومطالبتهم بإخراج العرب من مدن الإقليم، خوفاً من أن يكونوا خلايا نائمة للدولة الإسلامية، يمكن أن تحمل السلاح في أي وقت ضد أهالي الإقليم بشكل عام وقوات البشمركة بشكل خاص بشكل مباغت دون التفريق حتى مابين العربي الشيعي أو السني».
وفي الحقيقة، صار من الواضح أن الأسبوعين الماضيين، الذين استُهلّا بحملات عنصرية ضد العرب، انتهيا إلى ناشطين أكراد تمكنوا من إجهاض محاولات ترحيل العرب.