يحفظ أبناء قطاع غزة اسم الحاج جهاد شاكر غنام، ابن مدينة رفح جنوب القطاع، جيّداً. كان قد خُلّد اسمه في قوائم الشهداء الأحياء مبكراً، حين خرج رفقة الشهيدَين القائدَين محمد الشيخ خليل وياسر أبو العيش، في مهمّة جهادية، تضمّنت إطلاق عدد من قذائف الهاون محلّية الصنع، قبل أن يَحكم القدر أن تنفجر إحداها، وتتسبّب ببتر طرفَيه السفليَين. منذ ذلك اليوم في العام 2001، تحوّل الحاج جهاد، كما يناديه أبناء «الجهاد»، إلى أيقونة شديدة الرمزية والتأثير في المشهد المقاوم في جنوب غزة تحديداً؛ إذ لم تمنعه الإصابة من العمل المباشر في تطوير مختلف التخصّصات العسكرية (التصنيع والميدان والعمليات والصاروخية)، وحتى الإعلام الحربي، حيث كان غنام سبّاقاً في تأسيس وحدة إعلامية حملت اسم «جهاز التعبئة والإعلام»، ووثّقت طوال سنوات المئات من العمليات العسكرية، وأنتجت عشرات الأفلام الوثائقية المصوَّرة لحياة الشهداء.هو جهاد شاكر غنام (62 سنة)، اللاجئ الذي سكن مخيم الجنينة جنوب القطاع، بعد أن هُجّرت عائلته من مدينة سدود المحتلة عام 1948. بدأ أبو محمد مسيرته النضالية مبكراً، حينما شارك في معارك الثوار الفلسطينيين في لبنان في حقبة الثمانينيات. هناك، تَعرّف على الدكتور الشهيد فتحي الشقاقي، والتحق بحركة «الجهاد الإسلامي» في نهاية الثمانينيات، وشارك بشكل فاعل في تأسيس وبناء الجناح العسكري الأول للحركة «القوى الإسلامية المجاهدة - قسم». تخطّت الأدوار التي قام بها، حدود القطاع، إذ أسهم في تدريب مقاومي «الجهاد» في بيروت والسودان، وكان له دور محوري في تدعيم وتأمين خطوط الإمداد العسكري خلال انتفاضة الأقصى الثانية، والتي نشط في مطلعها في تأسيس الجناح العسكري الثاني لـ«الجهاد»، «سرايا القدس».
تحكي الإصابات التي طاولت جسده كلّه تاريخاً كبيراً من التضحية والبطولة


قبل أن يشغل أخيراً، منصب أمين سرّ المجلس العسكري لـ«السرايا» في قطاع غزة، تدرّج غنام في عدد كبير من المناصب القيادية، منها مسؤول لواء جنوب القطاع. يصفه مصدر في «سرايا القدس»، في حديثه إلى «الأخبار»، بقوله: «قائد من الجيل التاريخي الذي لا يختلف عليه أحد، تحكي الإصابات التي طاولت جسده كلّه تاريخاً كبيراً من التضحية والبطولة، وعلى رغم ذلك، هو ضحوك وطيب، معطاء ومضحّي، يشعر منذ 22 عاماً أنه عاش أكثر مما توقّع، وهو يُكرّر ذلك دائماً». يضيف المصدر ذاته: «الحاج جهاد، ديناميكي جداً، لا يعرف حدوداً للمستحيل، يعمل بشكل دؤوب في كلّ التخصّصات. وكان في الفترة الأخيرة مسكوناً بالعمل في الضفة الغربية. شغلت تلك الساحة تفكيره في كلّ لحظة». خلال العام الماضي، تَكرّر ذكر اسم الحاج جهاد في وسائل الإعلام الإسرائيلية التي اتّهمته غير مرّة بتجنيد فلسطينيين من الضفة والداخل المحتلّ لتنفيذ عمليات استشهادية. كما تتّهمه المؤسسة الأمنية الإسرائيلية بتولّي مهمّة تحويل الأموال إلى حركتَي «الجهاد» و«حماس».
استشهد غنام فجر الثلاثاء برفقة زوجته، خلال قصف إسرائيلي غادر طاول منزله في حيّ الجنينة، بعد أن نجا سابقاً من أكثر من 5 محاولات اغتيال كان أخطرها عام 2014، حين استشهدت والدته وأشقاؤه وأبناء عمومته. هكذا، اختتم رحلة حياة زاخرة، ترك فيها بصماته الجهادية، ليس في المدن المحتلّة المحيطة بقطاع غزة والتي ستكون على موعد مع صواريخه قريباً، إنّما في مختلف مدن ومخيّمات الضفة، التي تمدّدت المقاومة فيها، كما تمنّى تماماً.