بخطوات واسعة، قطعت العلاقات العربية - السورية شوطاً كبيراً نحو إنهاء قطيعة استمرّت نحو 12 عاماً. قطيعةٌ جاء قرار «الجامعة العربية» بإلغاء تجميد عضوية سوريا، ليكتب السطر الأخير في فصلها، ويفتتح صفحة جديدة ستتكرّس رسمياً مع استضافة السعودية القمّة العربية في التاسع عشر من الشهر المقبل. وإذ تُرجَّح مشاركة الرئيس السوري، بشار الأسد، شخصياً في تلك القمّة التي يَبرز الحرص السعودي شديداً على إنجاحها، فإن ما سيَخرج به هذا المسار من نتائج على الأرض، يبقى رهين جهود متواصلة ووقت طويل، بالنظر إلى كثرة تعقيدات الأزمة السورية وعمق قضاياها
لم يستغرق اتّخاذ وزراء الخارجية العرب قراراً بإلغاء تجميد عضوية سوريا، وقتاً طويلاً؛ إذ جاء القرار بعد تحضيرات واتّصالات واجتماعات انتهت بمجملها إلى حتميّة هذه الخطوة. وبذلك، انصَبّ اهتمام المشاركين في اجتماع الأحد على مضمون القرار، والذي جاء في خمسة بنود عريضة، ثلاثة منها تُرسّخ الآلية التي تمّ الاتفاق عليها في وقت سابق خلال الاجتماع الخماسي الذي استضافته العاصمة الأردنية عمّان مطلع الشهر الحالي، في شأن تشكيل لجنة لمتابعة القضايا العالقة، سواء لناحية الدفع نحو الحلّ السياسي للأزمة، أو إنهاء قضية اللاجئين والنازحين، أو معالجة القضايا الأمنية الأخرى بما فيها مسألة المخدرات.
القرار الذي حمل الرقم 8914، وسّع دائرة المشاركة في تطبيق مخرجات اجتماع عمّان، عبر إدخال «جامعة الدول العربية» ممثَّلة برئيسها فيها، إلى جانب وزراء خارجية السعودية ومصر والأردن والعراق ولبنان. كما أنه وضع الخطّة الأردنية، والتي تتضمّن بنداً صريحاً حول وحدة وسلامة الأراضي السورية وإخراج القوات غير الشرعية من سوريا، وقرار مجلس الأمن الرقم 2254، مرجعيتَين له، وفق آلية تتقاطع مع مبادرة المبعوث الأممي إلى سوريا، غير بيدرسون (خطوة مقابل خطوة). وأفضى ذلك بمجمله إلى الخروج بقرار توافقي، لم يَلقَ أيّ اعتراض من المشاركين، بإلغاء تجميد عضوية سوريا في الجامعة، ليقتصر موقف الدول التي لا تزال تعادي الحكومة السورية (على رأسها قطر) على رفض إعادة العلاقات الثنائية فقط، من دون «الخروج عن الإجماع العربي» القائم. وبدا لافتاً، في القرار العربي، وجود إشارة واضحة إلى جهود الجزائر، التي حاولت خلال استضافتها القمّة العربية العام الماضي (قمّة لمّ الشمل)، إنهاء تجميد عضوية دمشق، غير أن ضغوطاً أميركية، وعوامل أخرى من بينها ارتفاع بعض الأصوات الرافضة في حينه، حالت دون ذلك، لتأتي القمّة التي تستضيفها الرياض الشهر الحالي، وتعلن فتح صفحة جديدة.
إزاء ذلك، أعادت دمشق، التي أعلنت عبر بيان رسمي تلقّيها باهتمام نتائج الاجتماع، التذكير بموقفها حول «أهمية الحوار والعمل المشترك لمواجهة التحدّيات التي تواجهها الدول العربية»، مشدّدةً على أن «المرحلة القادمة تتطلّب نهجاً عربياً فاعلاً وبنّاءً على الصعيدَين الثنائي والجماعي يستند إلى قاعدة الاحترام المتبادل والمصالح المشتركة للأمة العربية». أيضاً، أجرى الرئيس السوري، بشار الأسد، اتّصالاً هاتفياً برئيس الإمارات، محمد بن زايد، عبّر خلاله، بحسب رئاسة الجمهورية السورية، «عن تقدير سوريا للدور الذي تقوم به الإمارات من أجل لمّ الشمل وتحسين العلاقات العربية، بما يعزّز التعاون العربي المشترك ويخدم مصالح الدول والشعوب العربية».
انتقل العمل المشترك بين دمشق والعواصم العربية من الحالة الثنائية إلى وضع أكثر شمولية


وإلى جانب الإمارات، لعبت دول عربية عدّة، من بينها العراق وسلطنة عُمان والأردن والجزائر دوراً بارزاً في إعادة فتح الأبواب المغلَقة مع دمشق. وفي آخر فصول هذا الانفتاح، انخرطت السعودية، إثر استعادتها علاقتها بسوريا، في حَراك سياسي متسارع، بدأ بعقد اجتماع لـ«مجلس التعاون الخليجي» حضره العراق ومصر والأردن، تبعه اجتماع عمّان المفصلي، مزيلةً بذلك جميع العوائق أمام دعوة الأسد إلى القمّة العربية. ومن هنا، برزت توقّعات بزيارة قريبة يُجريها وزير الخارجية السعودي، فيصل بن فرحان، إلى دمشق لتسليم الأسد دعوة رسمية للمشاركة في القمّة.
وإذ سارعت كلّ من موسكو وطهران إلى الترحيب بقرار «الجامعة العربية»، فقد أعلنت المفوّضية الأوروبية والمملكة المتحدة رفضهما إيّاه، فيما بدا لافتاً ظهور الموقف الأميركي في صورة أقلّ تشدداً، عبر الإشارة إلى «تفهّم واشنطن لهذه الجهود، وشكّها في جدواها»، علماً أن وزير الخارجية الأردني، أيمن الصفدي، كان قد أطلع نظيره الأميركي، أنتوني بلينكن، على نتائج اجتماع عمّان، والذي استند إلى الخطّة الأردنية (اللاورقة) التي حملها الملك الأردني، عبدالله الثاني، معه إلى واشنطن وموسكو خلال زيارات أجراها قبل نحو عامَين.
بشكل عام، يمكن القول إن صفحة جديدة من العلاقات السورية – العربية تمّ فتحها بشكل رسمي، لينتقل المشهد العربي من حالة القطيعة إلى الاشتراك في محاولة حلّ أزمةٍ ساهم سلوك دول عربية عديدة في تعقيدها، وينتقل أيضاً العمل المشترك بين دمشق والعواصم العربية من الحالة الثنائية إلى وضع أكثر شمولية. على أن الخروج بنتائج واقعية على الأرض سيحتاج إلى جهود متواصلة، ووقت طويل، سواء بسبب تعقيدات الوضع السوري والتداخلات الإقليمية والدولية فيه، أو بسبب الدمار الكبير الذي خلّفته الحرب. ولعلّ عملية إعادة الإعمار تُعدّ واحدة من الخطوات الرئيسة التي يجب المضيّ فيها لتمهيد الطريق أمام خطوات أخرى، من بينها إعادة اللاجئين والنازحين إلى بيوتهم، والتي شكّلت أحد أهمّ دوافع المبادرة الأردنية.