لا يزال الخلاف الذي نشب بين رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، ووزير «الأمن القومي»، إيتمار بن غفير، يتفاعل على خلفيات عدّة، أبرزها الردّ المحدود على الصواريخ التي أطلقتها المقاومة من قطاع غزة عقب استشهاد الأسير الشيخ خضر عدنان. وبلغ التوتّر بين الطرفَين مستوًى خطيراً، دفع بحزب «عوتسماه يهوديت» الذي يقوده بن غفير إلى إعلان مقاطعة جلسة الحكومة الأسبوعية وجلسات التصويت في «الكنيست»، ووضْع جملة شروط مقابل العودة إليها. ومن بين هذه الشروط، بحسب قناة «كان 11» (هيئة البث العامة الإسرائيلية)، شنّ عملية عسكرية موسّعة في الضفة، والتشارك في المداولات الأمنية، وتشديد الضغوط على الأسرى الفلسطينيين، والإسراع في التصويت على تشريعات متّصلة بخطّة «الانقلاب القضائي». وعلى رغم الجهود التي بذلها نتنياهو للتوصّل إلى تفاهمات مع بن غفير، بما في ذلك إدخال الوسطاء على الخطّ، يصرّ الأخير على رفض مساعي التهدئة، على خلفية «عدم استعداد نتنياهو في الوقت الحالي للسماح له بالمشاركة في المداولات الأمنية الحسّاسة». وفي هذا الإطار، نقل موقع «زمان يسرائيل» عن شخصيات من الدائرة المقرّبة لرئيس الوزراء، قولها إن الأخير يصف بن غفير بـ«المجنون»، ويتّهمه بـ«تسريب معلومات من المداولات الأمنية»، وهو السبب الذي منعه من عقد جلسة للمجلس الوزاري المصغّر للشؤون الأمنية والسياسية (الكابينت). وعلى إثر إقصاء وزير «الأمن القومي» من المناقشات الأمنية التي سبقت العدوان الأخير على قطاع غزة، وتوجيه بن غفير انتقادات إلى عمليات الجيش «المحدودة والضعيفة» كما وصفها، أصدر نتنياهو بياناً باسم حزبه («الليكود»)، اعتبر فيه أن زعيم «عوتسماه يهوديت» غير ملزَمٍ بالبقاء في الحكومة، قبل أن يأتي الردّ من الأخير، بالقول: «فَلْيقيلوني». ومع أن إقالة بن غفير أو استقالته وحزبه من الحكومة تعني سقوط الائتلاف، إلّا أن نتنياهو يدرك ضمناً أن زميله لن يُقدْم على هكذا خطوة.
وتوازياً مع انعقاد جلسة الحكومة الأسبوعية أوّل من أمس، والتي قاطعها بن غفير، قال هذا الأخير إن «الليكود لم يفِ بالوعود التي قدّمها»، مطالباً الحكومة بـ«المبادرة إلى الالتحام وتبنّي مبادئ اليمين (الذي منحها الثقة)». واعتبر أنه «يتوجّب وقف التنازلات ووضع حدٍّ لسياسة الاحتواء»، في إشارة إلى ردّ الجيش على الصواريخ التي أطلقتها المقاومة أخيراً من غزة، والتي خلّفت 12 إصابة بينها واحدة على الأقلّ في حال الخطر. وتابع بن غفير: «صحيح أن هذه ليست حكومة عوتسما يهوديت؛ فليس لدينا 64 مقعداً في الكنيست، لكن الليكود (الحزب الأكبر في الكنيست) قدّم وعوداً (ولم يفِ بها)، وهذا هو السبب وراء عدم حضوري اجتماع الحكومة، وعدم مشاركة أعضاء الكتلة (عوتسما يهوديت) في جلسات التصويت». وعلى إثر ذلك، رأى رئيس لجنة الاقتصاد في «الكنيست»، دافيد بيتان، من «الليكود»، أن «حزب عوتسما يهوديت يؤسّس لسقوط الحكومة»، معتبراً أن «حكومة يمينية كاملة لا تعني أنه يتوجّب علينا تطبيق كلّ سياسات عوتسما يهوديت». وأضاف أن حزب بن غفير «لا يمكنه التهديد والتوقّف عن التصويت»، عادّاً ما قام به أسلوباً «غير مناسب».
يتّسع الخلاف أيضاً بين «الليكود» والكتلتَين «الحريديتَين» (يهودية التوراة وشاس)


أمّا وزير الأمن، يوآف غالانت، فلم يكن في منأى عن «عراضة» بن غفير؛ إذ قال الأخير: «رأيتُ عشرات القتلى في السنوات الأخيرة، ما نحتاج إليه هو وقف سياسة الاحتواء والتنازلات، والتوقّف كذلك عن الإفراج عن جثامين (الأسرى والشهداء، ومنفّذي العمليات). علينا العمل على قتلهم». وفي ردّه على ذلك، قال غالانت، خلال الاجتماع الحكومي، إن «احتجاز الجثامين لا يشكّل ورقة ضغط» على المقاومة الفلسطينية «إلّا في حالات استثنائية جدّاً تتعلّق بشكل أساسي بحركة حماس»، مضيفاً أنه «لا علاقة لقرارات حماس في غزة بجثامين تابعة لأشخاص يتبعون لمنظّمات في الضفة». وتابع: «أنا لا أتأثّر بهجوم يشنه عليّ وزير، أفترض أنه رأى عدداً أقلّ من جثامين الإرهابيين ممّا رأيت أنا». واعتبر أن «المشكلة تكمن في أن مثل هذه التصريحات تُلحق الأذى بعائلات الأسرى المفقودين؛ حيث تشعرهم بأننا لا نسعى (في الحكومة) من أجل استعادة أبنائهم». وعلى الرغم من هذا «الردح»، الذي يؤشّر إلى أن الخلافات داخل الائتلاف اليميني غير مقتصرة على خلاف نتنياهو - بن غفير، فالأرجح أن التوتّر السائد لن يتسبّب بتفجّر الحكومة وسقوطها، أقلّه في المدى القريب؛ إذ سيكتفي بن غفير، وفق ما ذكره موقع «زمان يسرائيل» في وقتٍ سابق، بابتزاز نتنياهو و«جباية الثمن منه عند كلّ مرّة يُطلب فيها منه المشاركة في الجلسات والتصويت».
على خطّ موازٍ، يتّسع الخلاف بين «الليكود» والكتلتَين «الحريديتَين» (يهودية التوارة وشاس)؛ إذ تطالب الأولى بسنّ قانون يعفي المتديّنين المتشدّدين من التجنيد في الخدمة الإجبارية، فيما تهدّد الثانية بالاستقالة في حال لم يُقرّ قانون «درعي 2»، والذي يمنع «المحكمة العليا» من إلغاء قرارات الحكومة، ويعيد تعيين زعيم «شاس»، أرييه درعي، المدان بقضايا فساد، في منصب وزير الداخلية. ولتكتمل صورة الانقسامات العنقودية هذه، تأتي الخلافات التي تدور في أروقة «الليكود» نفسه، ويتصدّرها حالياً رئيس لجنة الاقتصاد، بيتان، الذي أشار في مقابلة مع «القناة 12» أخيراً، إلى أن علاقاته بنتنياهو تتّصف بـ«شبه القطيعة»، معتبراً أن «المشاكل الداخلية القائمة (في الليكود) يمكنها التسبّب بإسقاط الحكومة». وتطرّق بيتان إلى سبب تراجع «الليكود» في استطلاعات الرأي الأخيرة، عازياً ذلك إلى أن مُعارضي خطّة «الإصلاح القضائي» من «الليكوديين» يتوجّهون إلى «المعكسر الوطني»، الذي يقوده وزير الأمن السابق، بني غانتس، فيما مؤيّدوها يقولون إنهم لن يصوّتوا لـ«الليكود» لأن أملهم خاب في تحقيق تقدّم في مسار تمريرها، معتبراً أن «الليكود وصل إلى طريق مسدود».