القاهرة | بعد مرور أكثر من عام على بدء صدام الدولة وجماعة «الإخوان المسلمين»، عقب عزل الرئيس الأسبق محمد مرسي، يبدو الطرفان وقد أنهكهما الصراع الدائر من دون أي مكاسب تحققت: لا الجماعة أسقطت العسكر، ولا العسكر بدورهم قادرون على إقصاء الجماعة، برغم أنها ترزح تحت وقع ضربات أمنية وسياسية وقضائية متوالية، أنكهتها إلا أنها لم تقض عليها.
«الجماعة» التي توّجت مكاسبها المتحققة بعد «25 يناير 2011» بوصول مرشحها محمد مرسي إلى سدة الحكم وتأسيس حزب سياسي حاز الغالبية النيابية للمرة الأولى في تاريخ «الجماعة»، لم تكد تحصر خسائرها الناتجة من تظاهرات «30 يونيو» حتى جاء القرار بحظرها وتصنيفها «جماعة إرهابية» وحل حزبها أخيراً، ومصادرة أموالهما ومقراتهما لصالح الدولة، بالإضافة إلى ملاحقة الأعضاء بتهم جنائية.
تقول بعض التقديرات «الإخوانية» إن عدد أنصار «الجماعة» في السجون يبلغ نحو 41 ألف معتقل، إلا أن تقديرات أخرى تضع الرقم في حدود الـ20 ألفاً، بينهم عدد من السيدات والفتيات والأطفال، بالإضافة إلى مصادرة عدد من المشاريع التجارية والتعليمية المملوكة لـ«الإخوان»، بناءً على تقارير «لجنة حصر أموال الإخوان» القضائية، ويضاف إلى كل ذلك تراجع كبير للقبول المجتمعي بـ«الجماعة».

تشير التقديرات
إلى أن عدد أنصار «الجماعة» في السجون نحو 41 ألف معتقل

وبرغم إصرارها على المضي قدماً في محاصرة «الإخوان»، إلا أن سلطات الدولة أعطت إشارات قد تترجم على أنها موجهة إلى جماعة الإخوان المسلمين للبدء في المسار التفاوضي والمصالحة الوطنية، أو الوصول إلى تسوية ما. أبرز تلك الإشارات ما جاء في خطاب للرئيس عبد الفتاح السيسي، أخيراً، وقال فيه إن «هناك أناساً لديهم وجهة نظر ثانية، أنا سأحترم أن يكون لديهم وجهة نظر ثانية»، فيما يضاف إلى ذلك الإفراج عن حلمي الجزار، وهو من أوائل من اعتقلوا بعد عزل مرسي مباشرة، وهو معروف بميوله التوافقية غير الصدامية، كما الإفراج عن محمد العمدة، النائب البرلماني السابق، وعبد المنعم عبد المقصود محامي الجماعة، وغيرهم.
بحسب مصدر «إخواني»، تحفظ عن ذكر اسمه، فإن «العسكر استفادوا من العقلية الإخوانية التي حصرت قراءتها للمشهد عقب ثورة يناير في الحفاظ على التنظيم والسعي وراء حلم الخلافة، من دون وجود أي منتج فكري حقيقي يفضي إلى تحقيق هذا الحلم، وهو ما سهّل على المؤسسة العسكرية وضع الإخوان على «التراك» حتى قرر القضاء على مشروعهم في 3 يوليو».
الحفاظ على التنظيم هو أحد الأسباب القوية وراء رفض «الجماعة» لكل مبادرات ودعوات التصالح عقب عزل مرسي، باعتبار أن أي تراجع إلى الوراء هو في حد ذاته انهيار للتنظيم الذي سيبدأ بالتفكك، ومع المطاردات والضربات الأمنية التي توجّهها السلطات إلى «الجماعة» أصبح هناك يقين في أهمية تماسك التنظيم للحفاظ على «حلم الخلافة في إنتظار الفرج الإلهي»، وفق رؤية البعض.
ويعترف المصدر بأن هناك تراجعاً كبيراً في القبول المجتمعي بـ«الجماعة»، «نتيجة الفشل في بناء استراتيجية إعلامية وسياسية واضحة، مع الأخذ في الاعتبار الضغوط الواقعة على الجماعة، مثل القتل والاعتقال والمطاردات الأمنية»، واصفاً مسار «الإخوان» خلال العام الماضي بأنه «حالة من السير من دون خطة سياسية واضحة جنت فيها الجماعة خسائر واضحة، دون أن يتساوى حجم التضحيات بالمكتسبات».
«الجماعة خسرت كل شيء على مدار السنة الماضية، ولم تحقق إلا بعض التعاطف الشعبي خصوصاً بعد فض اعتصامي رابعة العدوية والنهضة»، بحسب الباحث في «مركز سيتا للدراسات» مصطفى زهران.
ويضيف زهران لـ«الأخبار» أن «المشهد المصري مرتبك ويصعب التكهن بما ستؤول إليه الأمور في الفترة المقبلة، لكن الأكيد أنه سيحدث في وقت من الأوقات جلوس إلى طاولة المفاوضات، خصوصاً أن بعض من يدورون حول الإخوان بدأوا الانفضاض عنهم، بعد كل هذه الخسارات وعدم وجود إجابة لسؤال ماذا بعد!؟». ويتابع بأن «كلا الطرفين حتى الآن لا يريد أن يتزحزح من مكانه، فهناك إشكالية كبرى في فهم الجماعة للدولة وأخرى في فهم الدولة للجماعة، التي ترى أنها سلب منها الحق في حكم البلاد بعد إطاحة مرسي». ويرى زهران أن المشهد المصري قريب في تعقيده من المشهد الجزائري في تسعينيات القرن الماضي مع اختلاف أن المشهد الجزائري كان أكثر راديكالية وعنفاً.
من جهته، يقول نائب رئيس «المركز العربي للدراسات السياسية» مختار الغباشي إن إشارات حل الصدام موجودة وأطلقتها الدولة وعلى رأسها الإفراج عن الجزار ورفاقه، مشيراً في مقلب آخر إلى نقطة أخرى تتمثل بالإفراج عن رجل الأعمال أحمد عز، أحد أقطاب «الحزب الوطني» المنحل، الأمر الذي يرى فيه الغباشي «إشارة إلى رغبة الدولة في التهدئة مع الجميع، لأن الجميع في مأزق: الحكومة نتيجة صراعها مع الإخوان عجزت عن تحقيق بعض متطلبات المواطنين، كما أن الإخوان في مأزق ضياع كل شيء منهم، ولم ينجحوا إلا في تحقيق الضغط على الحكومة».
ويعتبر الغباشي كذلك أن «الوقت في غير مصلحة الإخوان الذين تتراجع خياراتهم كلما خطت الدولة خطوة في خريطة الطريق، وبمرور الوقت يخسر الإسلاميون الحلول بالنظر إلى أن المعروض عليهم قبل 30 يونيو أكبر من المعروض عليهم بعد 30 يونيو الذي هو بطبيعة الحال أكبر من المعروض عليهم بعد فض الاعتصامين»، معترفاً بأن «الحل الأمني لن ينجح في حل أي قضية داخلية».
ويضيف الباحث المصري أن «الجماعة بصدامها مع الدولة بلا شك خاسرة، كما أن الدولة أيضاً خاسرة، وخصوصاً مع بدء تعقيد المشهد بدخول أطراف إقليمية ودولية مهمة جداً وأطراف فاعلة أخرى مثل منظمة هيومن رايتس ووتش التي أصدرت تقريراً عن فض رابعة العدوية والنهضة طالبت فيه بمحاكمة (الرئيس عبد الفتاح) السيسي، ووزير الداخلية محمد إبراهيم، مشيراً كذلك إلى أن «الاستثمار وعملية التنمية لن تحدث ما لم تحدث عملية تهدئة واقعية في الشارع».




تحضيرات أمنية لمواكبة الذكرى

وسط المخاوف من خروج تظاهرات واسعة وأعمال أمنية في ذكرى فض اعتصام رابعة العدوية اليوم، استعرض مجلس الوزراء المصري في اجتماعه، أمس، «تقريراً أمنياً عرضه وزير الداخلية، اللواء محمد إبراهيم، وأوضح خلاله أن هناك محاولات لتعطيل الخدمات المقدمة إلى المواطنين، وتنفيذ بعض الأعمال التخريبية كتفجير أبراج الضغط العالي، يقف وراءها أعضاء جماعة الإخوان المسلمين»، كما ما أوردت النبأ صحيفة «المصري اليوم».
وأكد إبراهيم أنه «يجري التعامل مع هؤلاء بحسم من الوزارة»، مشدداً على «أخذ الاحتياطات لتأمين كل المنشآت الحكومية». وشهد الاجتماع، طبقا للصحيفة، «الاتفاق على سرعة إعداد وإصدار تشريع يغلظ العقوبات على من يعتدي على المرافق العامة لمواجهة هذا التخريب المنهجي».
(الأخبار)