صنعاء | خلافاً لما كان متوقّعاً، لم تحمل الزيارة المفاجئة للمبعوث الأممي، هانس غروندبرغ، إلى العاصمة صنعاء، مطلع الأسبوع، أيّ جديد، سوى نقل مقترحات تتعلّق برؤية أميركية - بريطانية للسلام في اليمن، تتناقض مع مبدأ فصل الملفّ الإنساني عن ذلك العسكري والسياسي، والذي كان يُفترض أن جولة المفاوضات المباشرة التي انعقدت في صنعاء مع الوفدَين السعودي والعُماني الشهر الفائت، قد حسمته. وأثار هذا التناقض استياء صنعاء التي اعتبرت الرؤية الأميركية «تكتيكاً جديداً لإعاقة مسار السلام»، واتّهمت، على لسان رئيس «المجلس السياسي الأعلى» فيها، مهدي المشاط، خلال استقبال الأخير غروندبرغ، كلّاً من واشنطن ولندن بتعمّد عرقلة المسار الإنساني، وعلى رأس عناوينه صرف مرتّبات موظّفي الدولة، محذّرةً من تداعيات انتكاس المفاوضات بين الرياض وصنعاء، ومنبّهةً إلى أن «نيران الحرب، إنْ عادت، قد تصيب الجميع، ولن تنجو منها أميركا وبريطانيا اللتان استدعتا العديد من الأوراق لتعقيد مسار المفاوضات». وفي الاتّجاه نفسه، تحدّث رئيس حكومة صنعاء، عبد العزيز بن حبتور، عن «تملّص سعودي» من تنفيذ الوعود التي التزمت بها الرياض خلال مباحثات السلام الأخيرة، مشدّداً على أن معالجة «كلّ ما يتّصل بالملفّ الإنساني تُعدّ مفتاح الأمن والاستقرار»، إذا كان «التحالف» جادّاً في تحقيق السلام، بينما أكّد نائب رئيس الحكومة لشؤون الدفاع والأمن، الفريق جلال الرويشان، في تصريحات صحافية، أن التفاهمات المعقودة مع الجانب السعودي بخصوص الملفّ المذكور «لا تزال في الجانب النظري»، منبّهاً إلى أن الرسالة التي بعث بها المشاط، خلال استقباله المبعوث الأممي منتصف الأسبوع الجاري، «واضحة، وعلى الأطراف الأخرى قراءتها كيفما أرادت نصحاً أو تهديداً». وكان اختتم غروندبرغ زيارته صنعاء بلقاء رئيس لجنة الأسرى هناك، عبد القادر المرتضى، والتباحث معه في سُبل تنفيذ ما تمّ الاتفاق عليه مع مكتبه خلال مشاورات جنيف التي انعقدت في آذار الماضي، بخصوص ملفّ الأسرى. وأكد المرتضى، في خلال اللقاء، جهوزيّة حكومة الإنقاذ للمشاركة في جولة المفاوضات المقبلة التي تمّ تحديدها في منتصف أيار الجاري، على أن يكون انعقادها بعد الانتهاء من زيارات السجون في محافظة مأرب للتأكّد من أسماء المعتقَلين.
الجولة الثانية من المفاوضات المباشرة مع الجانب السعودي بحضور الوسيط العُماني لا زالت في موعدها


وبحسب مصادر ديبلوماسية، فإن وجهة المبعوث الأممي المقبلة ستكون الرياض، التي وصل إليها، الثلاثاء، المبعوث الأميركي، تيم ليندركينغ، حيث أجرى مباحثات مع السفير السعودي، محمد آل جابر، الذي قاد مفاوضات بلاده المباشرة مع صنعاء. ووفقاً لوسائل إعلام سعودية، فإن اللقاء خُصّص لمناقشة مستجدّات الأزمة اليمنية، وبحث سبل التوصّل إلى حلّ سياسي شامل في اليمن. وكان ليندركينغ، الذي اعترض بشكل علني الشهر الفائت على مطالبة «أنصار الله» بربط صرف مرتّبات الموظفين بعائدات مبيعات النفط والغاز اليمنيَين، أعلن، قبل أيام، أن بلاده تستخدم ما سمّاها «القوة الديبلوماسية» لحلّ الصراع اليمني على نحو دائم، مشدّداً على أن «عملية سياسية يمنية - يمنية شاملة تعالج القضايا والمسائل الجوهرية، مثل تخصيص الموارد، هي التي يمكنها حلّ الصراع بشكل دائم». وفي هذا الإطار، كشفت وسائل إعلام مقرّبة من حكومة صنعاء عن مقترحات أميركية جديدة عُرضت على الأخيرة، ربطت تنفيذ الملفّ الإنساني بعملية سياسية شاملة، وهو ما قد ينسف كلّ جهود السلام التي بُذلت على مدى الأشهر الماضية.
مع ذلك، علمت «الأخبار»، من مصدرَين أحدهما حكومي، أن الجولة الثانية من المفاوضات المباشرة مع الجانب السعودي بحضور الوسيط العُماني، لا زالت في موعدها، متوقّعةً عودة الوفدَين السعودي والعُماني خلال الأيام القادمة إلى العاصمة اليمنية لاستكمال البحث في النقاط التي تمّ ترحيلها من الجولة الأولى. وكانت الرياض أبلغت «المجلس الرئاسي»، أثناء لقاء جمع أعضاءه بسفيرها في اليمن أواخر الشهر الماضي، موافقتها على مطالب صنعاء المتّصلة بالملفّ الإنساني. لكن رئيس تحرير صحيفة «الثورة» الرسمية، عبد الرحمن الأهنومي، شكّك في جدّية السعودية في تنفيذ ما تمّ الاتفاق عليه، معتبراً، في تغريدة، أن «السعودية تحاول أن تنقل تلك التفاهمات، وخاصة في ما يتعلّق بصرف رواتب الموظّفين، إلى تفاصيل فنّية تتعلق بتوحيد البنك المركزي والقضايا المتعلّقة بالعملة، وهي تفاصيل مغرِقة ومؤجِّلة لأيّ حلول». وإذ تَوقّع أن تستجيب الرياض للضغط الأميركي، فقد أكد أن «صنعاء تدرك كلّ هذه المعطيات وترتّب لعمليات عسكرية نوعية وحاسمة وموجعة جدّاً لدفع المعتدين إلى النزول عند مطالب الشعب اليمني العادلة والمحقّة».