الخرطوم | مع تصاعد الدعوات الدولية إلى طرفَي النزاع في السودان، الجيش وقوات «الدعم السريع»، للدخول في مفاوضات تضع حدّاً للحرب القائمة، تبدو وتيرة الاشتباكات بينهما في تصاعد مطّرد، إذ لم تهدأ طوال اليومَين الماضيَين، ولا سيما أوّل من أمس الذي وُصف بأنّه الأكثر عنفاً، مع تواصل الاقتتال بالسلاح الثقيل على مدى ساعات، في عدد من أحياء الخرطوم والخرطوم بحري وأمّ درمان. وبدا أن الحديث عن موافقة الطرفَين على الجلوس إلى طاولة التفاوض، شكّل سبباً مباشراً في التصعيد الأخير، وفق مراقبين قالوا إن الجانبَين يحاولان تحقيق مكاسب على الأرض تمكّنهما من دخول المحادثات من موقع قوّة، وتالياً عدم اضطرارهما إلى تقديم تنازلات.وعلى رغم تنبّي الولايات المتحدة والسعودية جهود الوساطة، إلّا أن متابعين يَرون أن الأولى لا تمتلك أدوات الضغط الكافية لحثّ الجيش و«الدعم» على الالتزام بالهدن، تمهيداً لوقف إطلاق النار، فضلاً عن الجلوس إلى طاولة التفاوض. أمّا الرياض وأبو ظبي فتريدان، من جهتهما، الحفاظ على مصالحهما في السودان، وهي مصالح تُحتّم عليهما الآن، وإنْ قدَّمتا الدعم في وقت من الأوقات لأحد طرفَي الصراع، وضْع حدٍّ للحرب. ومن هنا، تقود السعودية جهود حَثّ الجانبَين على التفاوض لإنهاء الاقتتال. وكان مبعوث الأمم المتحدة إلى السودان، فولكر بيرتس، قد أعلن أن الجيش و«الدعم» وافقا على إيفاد ممثّلين عنهما لإجراء مفاوضات يحتمل أن تُعقد في السعودية، موضحاً، في تصريحات إلى وكالة «أسوشيتد برس»، أن المحادثات ستركّز بدايةً على إرساء وقفٍ لإطلاق النار «مستقرّ وموثوق» يُشرف عليه مراقبون محلّيون ودوليون. ولفت المبعوث إلى أن أحد الاحتمالات هو إنشاء آلية لمراقبة وقف إطلاق النار تضمّ مراقبين سودانيين وأجانب، إلّا أن ذلك أيضاً خاضع للتفاوض.
لا تزال قوات «الدعم السريع» تستخدم تكتيكات الاحتماء في منازل السكّان


ويرى الكاتب الصحافي، عاد عبد الرحيم، أن الحرب لن تنتهي في القريب العاجل، وأن طرفَي الأزمة لا يرغبان في التفاوض ولا يمتلكان إرادة كافية لإنهاء الحرب. ويشير عبد الرحيم، في تصريح إلى «الأخبار»، إلى أن «قائدَي الجيش (عبد الفتاح البرهان)، والدعم السريع (حميدتي)، دخلا الحرب بدوافع ذاتيّة وشخصيّة»، معتبراً أن «أيّ دعوات للتفاوض ستؤجّل أحلامهما بقيادة الدولة بصورة منفردة، وستجعلهما خاضعَين لعملية سياسية سيكون المدنيون فيها الفاعل الرئيس، وستفضي إلى خروج العسكر من الحياة السياسية، وهو ما ليس مقبولاً بالنسبة إلى الرجلَين، على رغم ترديدهما عبارات تؤكد التزامهما بالعمليّة السياسية والتحوّل الديموقراطي». ويلفت عبد الرحيم إلى أن «الانتصار في الحرب وحسْم المعركة لمصلحة البرهان أو حميدتي، سيجعل المنتصر الفاعل الرئيس في الحياة السياسية خلال الفترة المقبلة»، مضيفاً إن «قبول الجانبَين الجلوس للتفاوض - إذا تمّ - فهو كُرمى للمجتمع الدولي، ولكن لن يكون هناك تفاوض». ويتّسق ما تقدَّم، مع حديث عضو «مجلس السيادة»، الفريق ياسر العطا، الذي أكد أنه «لا تفاوض مع حميدتي»، وأن الأخير «يجب أن يُقدَّم إلى العدالة».
في غضون ذلك، أعلن الجيش السوداني أنه قضى، خلال الأسبوعَين الماضيَين، على نحو 45% إلى55% من قوّة «الدعم السريع». وذكر، في بيان، أنه أَحبط كلّ عمليّات التعزيزات العسكرية لخصومه، القادمة من جهة الغرب، وتلك القادمة من الحدود الشمالية للبلاد. ووفق البيان، فإنّ الجيش «لن يسمح بقيام أيّ تشوّهات في البنية العسكرية مستقبلاً»، في إشارة إلى قيام قوات موازية له، كـ«الدعم». وأضاف: «ورثت البلاد عبئاً ثقيلاً لخطأ النظام البائد الاستراتيجي بتكوين ميليشيا الدعم السريع، وهو ما تدفع ثمنه الآن الدولة السودانية باهظاً، تخريباً للبلاد وترويعاً للمواطنين». وفيما تتواصل الاشتباكات، لا تزال قوات «الدعم السريع» تستخدم تكتيكات الاحتماء في منازل السكّان، وخاصّة تلك التي فرّ منها أصحابها، هرباً من قصف الطائرات، وهو ما قد يطيل أمد الحرب، في رأي مصدر عسكري، قال، لـ«الأخبار»، إن قوات حميدتي «اعتمدت على التخفّي داخل الأحياء وفي الشوارع الضيّقة، ما يصعّب مهمّة الجيش الذي يحرص على هزيمتها بأقلّ الخسائر، ومن دون تدمير للبنى التحتية»، مستبعداً استسلام «حميدتي» الذي «سيقاتل حتى الموت، أو إلى أن تقوم الدول الحليفة له باجلائه إلى الخارج بغية رجوعه مرّة أخرى».