القاهرة | لم تكن تصريحات رئيس الوزراء المصري، مصطفى مدبولي، بخصوص عدم التخلُّف عن سداد الديون ردّاً على تساؤلات الصحافيين خلال جولته على عدد من المصانع، بل على تقارير دولية تحدّثت عن وجود مخاوف حقيقية في شأن عدم قدرة الحكومة المصرية على الالتزام بسداد جميع الديون وفوائدها خلال الأشهر المقبلة، بسبب تأخُّر عمليّة الطروحات الحكومية، وبيع حصص الشركات الحكومية، التي يعوَّل عليها لتقليص عجز الموازنة. وإذ كان يُفترض أن تصل بعثة من «صندوق النقد الدولي» إلى القاهرة في آذار الماضي، إلّا أنها لم تحضر بعد لمراجعة الإجراءات المتعلّقة بالإصلاح الاقتصادي الذي من شأنه أن يزيد الأعباء المالية على المواطنين، وخصوصاً مع توقُّع خفضٍ جديد - هو الثالث - لقيمة الجنيه، ما سيؤدّي تالياً إلى ارتفاع الأسعار. وحتى الآن، عجزت الحكومة عن التعامل مع الضغوط الاقتصادية، باستثناء عملها على تقليص الإنفاق بالدولار بصورة غير مسبوقة. ومع تجاوز الفارق بين سعر الصرف الرسمي وسعر الصرف في السوق الموازية حاجز الـ 15%، عادت حالة الشلل لتضرب القطاع الصناعي، على خلفية صعوبات في الاستيراد، فيما أَخفقت الحكومة في جمْع مزيد من دولارات المصريين الموجودين في الخارج.ولغاية الآن، لم تُنفّذ عمليّة بيع مجموعة شركات (بشكل كامل أو بحصص رئيسية)، وفق برنامج الطروحات الحكومية، بسبب عدم التوافق مع المستثمرين على سعر عادل للصرف، في حين خضعت الحكومة لمتطلبات السوق الدولية، فقفز سعر الجنيه في العقود الآجلة بنسبة تصل إلى 35%، في مقابل السعر الرسمي في المصارف. وتعهّد رئيس الحكومة بتوفير مليارَي دولار قبل نهاية حزيران المقبل، من برنامج الطروحات الحكومية، وهو مبلغ قد يتوفّر من عملية بيع المصرف «المتحد» المملوك لـ«المركزي» المصري، بالإضافة إلى شركات أخرى، فيما لا يزال التفاوض حول بيع شركتَين تابعتَين للجيش للمستثمرين الخليجيين مستمرّاً. وتهدف الحكومة إلى طرْح مزيد من الشركات لجذب الأموال بما يرفع عدد الشركات التي سيتمّ طرحها إلى أكثر من 45، بدلاً من 32 أُعلن عنها كمرحلة أولى في شباط الماضي، وهي خطوة سيكون من شأنها الحدّ بشكل كبير من عملية الاقتراض الخارجي التي تواجه صعوبات جمّة حالياً. وتكتفي الحكومة المصرية، حتى الآن، بتأكيد التزامها بسداد المستحقّات للدائنين، سواء كانوا أفراداً أو جهات دولية، من دون توضيح آليّة السداد في ظلّ تفاقم عجز الموازنة.
في الأثناء، لا تزال انتقادات الشركاء الخليجيين، الذين دعموا حصول مصر على قرض من «صندوق النقد»، حول تدخلات الجيش، مستمرّة، وهو ما دفع مدبولي إلى الإعلان عن تجهيز 10 شركات تابعة للقوات المسلّحة للبيع خلال الفترة المقبلة، وسط تقديرات رسمية بإمكانية تنفيذ عمليات بيع بقيمة 20 مليار دولار حال التوافق مع المستثمرين على سعر صرف عادل. وتشكل مسألة سعر صرف الجنيه أزمة حقيقية أمام الحكومة التي تخشى غضباً شعبيّاً مع الزيادات القادمة في الأسعار نتيجة تحريك سعر الصرف، في وقت باتت فيه خيارات «المركزي» محدودة للحفاظ على سعر الصرف الحالي للجنيه أمام الدولار، مع تسريب أخبار عن إمكانية حدوث انفراجة كبيرة بعد التوسّع في التبادل التجاري مع عدد من الدول بالعملات المحلّية، ومن بينها روسيا، وتركيا، والهند.
في غضون ذلك، رفعت المضاربات على سعر العملة من أسعار الذهب بصورة غير مسبوقة، ليُباع بسعر أعلى من السعر العالمي بنحو 20%، بسبب منع الاستيراد وزيادة الطلب بعد إحجام المواطنين عن ادّخار أموالهم بالشهادات البنكية، فيما يُتوقّع أن تسجّل معدّلات التضخّم قفزة قد تصل إلى 50% حال تحرير سعر الصرف، بينما توفّر الشهادات عائد 19% لمدّة ثلاث سنوات.