صنعاء | تنطلق، في خلال أيام، الجولة الثانية من المفاوضات المباشرة بين صنعاء والرياض، وسط ضبابية تلفّ خطوات بناء الثقة، التي لا تزال متعطّلة في جوانب عديدة منها. تعطّلٌ اتّهم رئيس «المجلس السياسي الأعلى»، مهدي المشاط، الولايات المتحدة بالمسؤولية عنه، قائلاً إن هذه الأخيرة «لا تريد حلحلة الملفّ الإنساني، وتعمل في اتّجاه مناهض للسلام». وخيّر المشاط، في خطابه عشية عيد الفطر، السعودية بين «الوقوف إلى جانب مصالحها أو الرضوخ للإملاءات الأميركية، والذي سيجلب لها الدمار وعدم الاستقرار»، فيما قلّل عضو المجلس، محمد علي الحوثي، من قيمة التفاهمات التي أُبرمت مع الرياض أخيراً، إذا لم تشرع المملكة في خطوات ملموسة في ما يتّصل بالملفّ الإنساني. وفي الاتّجاه «التشاؤمي» نفسه، شكّك مصدر في حكومة عدن في نجاح المفاوضات بين صنعاء والرياض، مرجعاً ذلك إلى أن سقف المطالب التي طرحتها حركة «أنصار الله» مرتفع، وهو غير قابل للتنفيذ كونه «سيمنح الحركة شرعية دولية من دون تسليم السلاح والانسحاب من المحافظات». كما أعلنت قيادات في حكومة معين عبد الملك رفضها أيّ تفاهمات «تتجاوز المرجعيات الثلاث».على رغم ذلك، لا تزال السعودية تُبلغ مَن يعنيهم الأمر بموافقتها على مطالب الجانب اليمني، وخصوصاً تلك المتعلّقة بالملفّ الإنساني، وهي عادت إلى الطلب من رئيس «المجلس الرئاسي»، رشاد العليمي، الحضور إليها بعد 48 ساعة من عودته إلى مدينة عدن لقضاء إجازة عيد الفطر، مبلغةً إيّاه أنها ستمضي في التفاوض مع صنعاء، وستستكمل النقاشات حول بعض البنود، آخذةً في الاعتبار الملاحظات التي قدّمها المجلس خلال الاجتماع الذي عُقد بين رئيسه وأعضائه، وبين السفير السعودي لدى اليمن، محمد آل جابر، وفق ما كشفته مصادر يمنية في الرياض لـ«الأخبار». وأشارت المصادر إلى أن المفاوضات المرتقبة ستبحث في إيجاد آليات مشتركة لتوحيد العملة والبنك المركزي تمهيداً لتنفيذ البند الخاص بصرف مرتّبات الموظفين. وفي هذا الصدد، علمت «الأخبار»، من مصادر مقرّبة من حكومة عدن، أن «الرئاسي» جدّد رفضه ربط صرف المرتّبات بمبيعات النفط والغاز اليمنيَّيْن، مشترطاً دفعها من عائدات ميناء الحديدة، على أن يقوم هو بتغطية العجز في حال وقوعه. أمّا بخصوص حركة مطار صنعاء الدولي، فقد أكّد مصدر في وزارة النقل في حكومة الإنقاذ، اقتراب توسيع وجهات السفر من المطار، لافتاً إلى أن التفاهمات المبرَمة أواخر شهر رمضان مع الجانب السعودي، تُلزم الأخير بإضافة السعودية ومصر والهند إلى تلك الوجهات، فيما حذّر وزير النقل في صنعاء، عبد الوهاب الدرة، من مغبّة المماطلة في هذا الإجراء، مطالباً «شركة طيران اليمنية» بتدشين رحلتها إلى مطار القاهرة في أسرع وقت.
المشاورات المرتقبة بين الرياض وصنعاء ستبحث إيجاد آليات مشتركة لتوحيد العملة والبنك المركزي


وفي انتظار اتّخاذ خطوات جديدة على طريق بناء الثقة، حذّر وزير الدفاع في حكومة الإنقاذ، اللواء محمد ناصر العاطفي، من أن الردّ على التهرّب من تنفيذ استحقاقات السلام، سيكون «العنف والضرب بيد من حديد»، ملوّحاً بأن قوّاته قادرة على «فرض السلام» في حال انكشاف عدم جدّية السعودية في تنفيذ الالتزامات. وتزامنت هذه التهديدات مع تسريبات أميركية عن تخوّف واشنطن من مشروع الاتفاق بين الرياض وصنعاء، وقيامها بإرسال مبعوثها إلى اليمن، تيم ليندركينغ، إلى العاصمة السعودية في 12 نيسان الجاري، بعد تلقّيها معلومات عن تقديم المملكة تنازلات كبيرة لـ«أنصار الله»، منها صرف المرتّبات، والذي اعتبرته الولايات المتحدة في وقت سابق مستحيلاً. وبحسب التسريبات، فقد كثّفت واشنطن اتّصالاتها مع القوى اليمنية، بعدما لمست استعداد الرياض للتخلّي عن وكلائها من أجل إنهاء الحرب وتأمين حدودها. وبحسب موقع «ذي إنترسبت»، فإن وثائق البنتاغون» المسرَّبة، تُظهر تقدير الجانب الأميركي أن بند الرواتب، الذي مثّل في ما سبق ملفّاً شائكاً للسعوديين والأميركيين على السواء، حدث بشأنه تقدّم في المفاوضات اليمنية - السعودية، وأن آل جابر أبلغ صنعاء موافقة الرياض على دفع رواتب موظّفي القطاع العام اليمني على مراحل، شرط تكوين هيئة مستقلّة لدراسة قائمة هؤلاء الموظّفين منذ ما يقرب من عقد.
من جهتها، كثّفت إيران تحرّكاتها على خطّ دفع عملية السلام في اليمن؛ إذ بعد أيام من تلقّي المشاط اتّصالاً هاتفياً من الرئيس الإيراني، إبراهيم رئيسي، استقبلت طهران مساعد الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون الإنسانية، مارتن غريفيث، الثلاثاء، فيما عقد وزير الخارجية الإيراني، حسين أمير عبد اللهيان، مساء اليوم نفسه، لقاءً مع رئيس وفد صنعاء المفاوض، محمد عبد السلام، عقب وصول الأوّل والوفد المرافق له إلى العاصمة العُمانية مسقط. ووفقاً لبيان الخارجية الإيرانية، فقد رحّب عبد اللهيان بأيّ مبادرة تؤدي إلى رفع الحصار عن اليمن، وإقرار وقف إطلاق نار شامل، وتفاهم بين الجماعات السياسية.