بغداد | في آخر انتخابات برلمانية مبكرة أجراها العراق في العاشر من تشرين الأول 2021، شنّت أحزاب سياسية، على رأسها قوى شيعية تمثّلت لاحقاً في «الإطار التنسيقي»، هجوماً لاذعاً على مفوضية الانتخابات، متّهمة إياها بالتزوير والتلاعب بالأصوات، بينما دافعت عنها أطراف أخرى؛ أبرزها «التيار الصدري» الفائز حينها بـ 74 مقعداً، وطالبت بعدم الزجّ بها في المشهد السياسي. وكان تغيير المفوضية قد مثّل، أيضاً، واحداً من أبرز مطالب احتجاجات «تشرين» الشعبية التي انطلقت في 2019. وعلى رغم أنه جرى في أواخر العام نفسه التصويت على قانون جديد للمفوضية، واختيار مجلس مفوّضين مؤلّف من 9 قضاة بمشاركة الأمم المتحدة ومجلس القضاء الأعلى العراقي، إلّا أنه لا تزال الشكوك والاتّهامات تلاحق المفوضية بالفشل في تحصين صناديق الاقتراع، إلى جانب تعرّضها لضغوط سياسية من جهات معيّنة على حساب جهات أخرى. وفي 19 نيسان الحالي، أعلنت المفوضية استقالة رئيس مجلس المفوضين، القاضي جليل عدنان خلف، من منصبه، وسط تحفّظ رسمي على ذكر الأسباب. ويرجّح سياسيون أن خروج خلف يأتي ضمن مطالبات بعض القوى السياسية بتغيير المفوضية العليا، وتبديل أعضاء مجلس المفوضين بأشخاص تختارهم الكتل من خارج مجلس القضاء الأعلى، قبل إجراء الانتخابات المحلّية في كانون الأول المقبل.ويقول عضو اللجنة القانونية النيابية، رائد المالكي، لـ«الأخبار» عن إمكانية تغيير المفوضية إن «هناك توجّهاً في الوقت الراهن لتغييرها، وهذا بدأ باستقالة رئيس المفوضين قبل أيام». ويضيف إن «هناك رغبة لدى مجلس القضاء الأعلى في إبعاد القضاة عن عمل المفوضية والإشراف عليها»، بالنظر إلى أن عملهم داخلها أصبح محلّ إشكال نتيجة الخلافات السياسية. ويلفت المالكي إلى أن التغيير يهدف، في جانب منه، إلى الإتيان بعناصر غير قضائية لتحلّ مكان مجلس المفوضين الحالي، متوقّعاً أن تختار تلك العناصرَ الأحزابُ السياسية، ولا سيما «الإطار التنسيقي» باعتباره هو الحاكم والمهيمن على المشهد الحالي. ويشير إلى أنه «كانت هناك سابقاً دعوات من ائتلاف دولة القانون وزعيمه نوري المالكي لتغيير المفوضية جذرياً، وخاصة بعد الاعتراضات على عمل المفوضية في الانتخابات الأخيرة». ويرى أن «اختيار عناصر غير قضائية هو إجراء لتسهيل عمليات التزوير والضغط والتدخّل في عمل المفوضية من قِبل القوى السياسية».
استقالة رئيس المفوضين تفتح الباب أمام تغيير جزئي في المفوّضية


من جانبها، تشير النائبة في البرلمان، وعضو «الإطار التنسيقي»، ضحى القصير، إلى أن «التعديلات في المفوضية واردة، لكن استمرار عملها ضروري لإكمال مستلزمات انتخابات مجالس المحافظات المقبلة». وترجّح القصير، في تصريح إلى «الأخبار»، أن «يكون تعديل قانون المفوضية، في حال اتّفقت عليه القوى السياسية، بعد الانتخابات، وذلك بسبب التزام الحكومة بالتوقيتات الدستورية المقرّرة لإجراء الانتخابات المحلّية». وتقرّ بأن «الخلل ليس في عمل المفوضية، وإنّما في قانون الانتخابات السابق الذي بسببه حصل الانسداد السياسي والتلاعب بالأصوات ووجود الثغرات في العملية الانتخابية، ولا سيما الأجهزة الإلكترونية التي ثبت فشلها». لكنها تستدرك بأنه «في الوقت الحالي ووفق القانون الانتخابي الجديد وقرار المحكمة بشأن اعتماد العدّ اليدوي، سيكون هناك إنصاف لجميع الأحزاب التي تنوي المشاركة ومن دون تزوير». وتؤكد أن «القضاء معزول عن الخلافات السياسية وتأثيراتها، ويجب أن لا يتدخّل في عمل المفوضية، وإنّما يتابعها بالتعاون مع منظّمات دولية. فقرارات القضاء هي التي أعادت الأمور إلى نصابها خلال فترة الانتخابات السابقة».
أمّا عضو مجلس المفوضية السابق، مقداد الشريفي، فيقول، لـ«الأخبار»، إن «أغلب قوى الإطار مع تغيير قانون المفوضية الحالي، ويشاركها في هذا الرأي بعض الأطراف في الأحزاب السنّية والكردية، ولكن حتى الآن لم يتمّ الاتفاق على شكل القانون الجديد». ويضيف: «القضاء مصان ومحلّ ثقة، ولا يمكن لأيّ أحد الطعن فيه... والقضاء موجود في قانون المفوضية السابق، متمثّلاً في الهيئة القضائية للانتخابات والتي تكون قراراتها باتّة ولا يمكن الطعن بها». ويرى أن «الانتقادات والاتهامات سببها عدم وجود ثقافة انتخابية لأغلب القوى المشاركة في الانتخابات وفقدان الثقة بالمؤسّسة التي تدير الانتخابات».
وفي السياق ذاته، يعلّل أستاذ العلوم السياسية في جامعة بغداد، طارق الزبيدي، عدم تغيير مجلس المفوضين بشكل كُلّي بالقول: «أوّلاً، إجراء الانتخابات المحلّية أصبح قريباً، والتغيير قد يؤثّر على الأمور اللوجستية وسرعة الاستجابة، لغرض إكمال الانتخابات في موعدها. أمّا ثانياً، فإنّ التغيير الجذري قد يفتح أبواب الاتّهامات والانتقادات الكثيرة تجاه قوى الإطار التنسيقي التي تعمل على هذا التغيير». ويعتبر، في تصريح إلى «الأخبار»، أن «الإطار التنسيقي سيلجأ إلى التغيير الجزئي، وخاصة بعد استقالة رئيس المفوضين، الذي أعطى الضوء الأخضر للإطار لاختيار بديل منه، ما يعني أن التغيير سوف يكون جزئياً وليس كلّياً». ويعتقد الزبيدي أن «إبعاد القضاء عن ملفّ الانتخابات هو لغرض العودة إلى لغة المحاصصة والتوافقات السياسية. فبقاء القضاء في هذه المؤسسة الحسّاسة مهمّ للغاية، ويعطيها دفعة كبيرة من الاستقلالية والاعتراف الدولي». ويوضح أنه «إذا تمّ استبدال القضاة بعناصر من الأحزاب، فسوف تفقد الانتخابات استقلاليتها. فضلاً عن ذلك، قد يشكّك المجتمع الدولي في نزاهتها، فضلاً عن المجتمع المحلّي، بما يمكن أن يرفع الأصوات ويؤدّي إلى تظاهرات قد يغتنمها التيّار الصدري كفرصة له لغرض التشكيك في الانتخابات وطبيعة القائمين عليها».