الحسكة | مع كلّ زيارة يجريها وزير الخارجية السوري، فيصل المقداد، لإحدى الدول العربية المنخرطة في مسار الانفتاح على دمشق، تزداد مخاوف «الإدارة الذاتية» الكردية من أن يؤدّي هذا الانفتاح إلى تغيّرات كبرى تدفع في اتّجاه تصعيد الضغوط على الأميركيين من أجل تسهيل حلحلة الأزمة السورية، وإعادة سيادة الدولة على مؤسّساتها كافة، وهو ما سيستدعي بالضرورة تأثيرات غير طيّبة على مشروع الإدارة في شمال وشرق سوريا. ولعلّ ما فاقم ذلك القلق تشديد البيان السوري - السعودي المشترك في أعقاب زيارة المقداد للرياض، على «ضرورة دعم مؤسّسات الدولة السورية لبسط سيطرتها على أراضيها، وإنهاء تواجد الميليشات المسلّحة والتدخّلات الخارجية في الشأن الداخلي السوري»، في ما يستبطن إشارة إلى «قسد» التي تُصنَّف في الخطاب الرسمي السورية على أنها «ميليشيات مسلّحة». ويزيد هواجسَ «الذاتية» اشتعالاً، تواصُل المساعي الروسية - الإيرانية لإتمام مصالحة سورية - تركية، ستمثّل، بدورها، إذا ما تحقّقت خطراً وجودياً على الإدارة الكردية، كونها ستقتضي إنهاء وجود الأخيرة العسكري في المناطق التي تسيطر عليها.انطلاقاً من كلّ ذلك، لم تَجِد «الإدارة الذاتية» بدّاً من طرح مبادرة «للحلّ في سوريا»، تضمّنت تسعة بنود مكرَّرة بمعظمها، في محاولة للفت انتباه الأطراف الساعية في تعجيل الحلّ السياسي، إلى ضرورة لحظها في أيّ توافق، مع إظهار الاستعداد بشكل غير مباشر لتقديم تنازلات في سبيل ذلك. وركّزت المبادرة على «التأكيد على وحدة الأراضي السورية، والاستعداد للقاء الحكومة السورية والحوار معها للتباحث والتشاور لإيجاد حلّ ديموقراطي للأزمة بمشاركة جميع المكوّنات، وتأسيس نظام ديموقراطي تعدّدي لا مركزي، واعتبار تجربة الإدارة الذاتية نموذجاً جيّداً للحلّ». كما شدّدت على «أهمّية توزيع الثروات الطبيعية والموارد الاقتصادية بشكل عادل، مع إبداء الاستعداد لاستقبال النازحين والمهجّرين في مناطق سيطرتها، وضمن ما هو متوفّر من إمكانات لديها، ومطالبة الدول العربية والأمم المتحدة بلعب دور إيجابي وفعّال للبحث عن حلّ مشترك مع الحكومة السورية والإدارة الذاتية، وتسريع الجهود لرأب الصدع وإنهاء الصراع، بما لا يتعارض مع قرار مجلس الأمن 2254».
مبادرة «الإدارة الذاتية» الأخيرة جاءت بعد التنسيق مع الجانب الأميركي


وسرى حديث، في أعقاب إعلان المبادرة، عن أن هذه الأخيرة جاءت تنسيقاً غير مباشر مع الجانب السعودي، إذ سرّبت وسائل إعلام كردية معلومات عن وجود مقترح سعودي لـ«دمج قسد في صفوف الجيش السوري في صورة فيلق كالفيلق الخامس، مع تكفّل سعودي بدفع الرواتب، ورفع العلم الرسمي السوري على المباني الحكومية في المناطق التي تسيطر عليها قسد، ودخول مؤسّسات الدولة إلى هناك». لكنّ مصادر مطّلعة نفت، في حديث إلى «الأخبار»، «وجود أيّ اتصالات أو تنسيق سعودي مع الإدارة الذاتية أو قسد حتى الآن»، واصفاً ما يتمّ تداوله في هذا الإطار بـ«الشائعات». وأشارت المصادر إلى أن «مبادرة الإدارة الذاتية جاءت بعد التنسيق مع الجانب الأميركي، الذي يريد تعطيل الجهود الروسية في مسار التقارب الحكومي مع الأتراك، لأنها ستؤثّر على وجود الأكراد العسكري في سوريا»، مضيفاً أن «واشنطن لم تعترض على أيّ من البنود، ولا حتى على مبدأ الحوار مع الحكومة السورية، وتريد أن يصل الأكراد إلى اتّفاق أوّلي مع الحكومة، بما سيعرقل أو يؤخّر على الأقلّ خطوات التقارب مع الأتراك».
إلى ذلك، علمت «الأخبار»، من مصادر ميدانية، أن «لقاءً قبل عيد الفطر، جمع رئيس هيئة العلاقات الخارجية في الإدارة الذاتية، بدران جيا كرد، مع مسؤولين حكوميين في الحسكة، للتمهيد لعقد جولات جديدة من الحوار بين ممثّلين عن الطرفَين». ولفتت المصادر إلى أن «الإدارة الذاتية تبدي اهتماماً هذه المرّة بعقد تلك الاجتماعات، لمعرفة وجهة نظر الدولة السورية من مبادرتها الأخيرة، ولإدراكها بوجود متغيّرات سياسية طارئة تفرض تقديم تنازلات». واستبعدت أن «تتخلّى الذاتية وقسد عن شرطهما المرفوض مراراً بضرورة الإقرار الدستوري بقسد والإدارة الذاتية، ما يقلّل من التفاؤل بخروج اجتماعات جديدة - إنْ حصلت - بأيّ نتائج مختلفة عن سابقاتها»، معتبراً أن «إصرارهم على عدم فكّ ارتباطهم بالأميركيين، سيجعل من أيّ حوار أو اجتماع عقيماً حتماً».