«قتل ممنهج» و«جرائم ضد الإنسانية»، هي خلاصة تقرير منظمة «هيومن رايتس ووتش» حول فضّ قوات الأمن المصرية اعتصام أنصار جماعة «الإخوان المسلمين» في ميدان رابعة العدوية، قبل عام. وقد حمّلت المنظمة مسؤولية ذلك للرئيس عبد الفتاح السيسي.وجاء في التقرير المكون من 188 صفحة، تحت عنوان «حسب الخطة: مذبحة رابعة والقتل الجماعي للمتظاهرين في مصر»، أن «عمليات القتل لم تشكل فقط انتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان الدولية، لكنها بلغت على الأرجح مستوى جرائم ضد الإنسانية»، مشدداً على أن هناك «حاجة لتحقيق ومقاضاة دولية للمتورطين» في حملة القمع هذه.

وكانت قوات الأمن قد فضّت بالقوة اعتصامين لمناصري الرئيس المعزول محمد مرسي في ميداني «رابعة العدوية» و«النهضة» في 14 آب 2013، ما خلف مئات القتلى في ما سمّته «هيومن رايتس ووتش»، «واحدة من أكبر عمليات قتل المتظاهرين في يوم واحد في التاريخ الحديث».
وقد وثقت المنظمة مقتل 817 شخصاً في فضّ اعتصام رابعة وحده، لكنها أشارت إلى أنه «بالنظر إلى الأدلة القوية المتاحة» على وجود وفيات إضافية، والتي جمعها الناجون من رابعة والنشطاء، والجثث الإضافية التي أخذت مباشرة إلى مستشفيات ومشارح من دون تسجيل دقيق أو هوية معروفة، والأفراد الذين لا يزالون في عداد المفقودين «فمن الأرجح أن ما يزيد على ألف شخص قتلوا في رابعة».
ووثّق التقرير الذي استند إلى تحقيق استمر عاماً كاملاً قيام الشرطة والجيش المصريين على نحو ممنهج بإطلاق الذخيرة الحية على حشود من المتظاهرين المعارضين في ميداني «رابعة» و«النهضة». واستند إلى مقابلات مع أكثر من 200 شاهد، بينهم متظاهرون وأطباء وسكان من مناطق الأحداث وصحافيون مستقلون، وزار معدّوه كل مواقع التظاهر أثناء الاعتداءات أو مباشرة في أعقاب بدئها، وراجعوا أدلة مادية وساعات من مقاطع الفيديو وتصريحات مسؤولين حكوميين. كذلك كاتبت «هيومن رايتس ووتش» الوزارات المصرية المعنية لالتماس وجهة نظر الحكومة في تلك الأحداث، رغم كونها لم تتلق أية ردود.
وأشار التقرير إلى أن الشرطة احتجزت أكثر من 800 متظاهر من الاعتصام، واعتدت على بعضهم بالضرب والتعذيب، بل الإعدام الميداني في بعض الحالات كما قال شهود. وذكر أن السلطات أخفقت «في محاسبة ولو فرداً واحداً من أفراد الشرطة أو الجيش ذوي الرتب المنخفضة على أي من وقائع القتل، فضلاً عن أي مسؤول من الذين أمروا بها».
ودعت المنظمة في تقريرها، في ضوء استمرار الإفلات من العقاب في مصر، إلى التحقيق والملاحقة الدوليين للمتورطين في تلك المجازر، وإلى تعليق المساعدات العسكرية والمتعلقة بإنفاذ القانون المخصصة لمصر «حتى تتبنى إجراءات لإنهاء انتهاكاتها الجسيمة للحقوق». وحددت أكثر من عشرة من كبار القادة ضمن تسلسل القيادة الذين ينبغي التحقيق معهم لدورهم في أعمال القتل تلك، بينهم وزير الدفاع آنذاك الرئيس الحالي عبد الفتاح السيسي، ووزير الداخلية محمد إبراهيم، وقائد القوات الخاصة وقائد عملية رابعة، مدحت المنشاوي. «وحيثما توافرت أدلة على المسؤولية، تنبغي محاسبة هؤلاء الأشخاص فردياً على التخطيط والتنفيذ أو الإخفاق في منع القتل الممنهج والواسع النطاق المتوقع للمتظاهرين».

ما حصل كان قمعاً عنيفاً جرى إعداده على أعلى مستوى من الحكومة المصرية


وقال المدير التنفيذي لـ«هيومن رايتس ووتش» كينيث روث، في التقرير: «هذه ليست مجرد حالة استخدام مفرط للقوة أو سوء تدريب. بل كان قمعاً عنيفاً جرى إعداده على أعلى مستوى من الحكومة المصرية». وأضاف روث الذي منعته السلطات المحلية وزميلته مديرة الشرق الأوسط في المنظمة سارة ليا ويتسن من دخول مصر، أن «الكثيرين من هؤلاء المسؤولين لا يزالون في السلطة في مصر وعليهم الرد على الكثير من الأسئلة».
وكتب روث على حسابه على موقع «تويتر» أيضاً أن «حصيلة قتلى مذبحة رابعة يمكن مقارنتها بتيان انمين (في الصين) وأنديجان (في اوزبكستان). لكن حكومة مصر لم تسمح لي بتقديم تقرير عنها».
وكانت المنظمة تعتزم إصدار التقرير في القاهرة، لكن السلطات عرقلت ترتيباتها بهذا الشأن عندما رفضت السماح لوفدها بدخول مصر في 10 آب الجاري.
من جانبها، رفضت مصر تقرير «هيومن رايتس ووتش»، واتهمت المنظمة بـ«عدم الحياد والتحيز» لتحالف مؤيد للإسلاميين وتجاهل تعرض قوات الأمن لهجمات «إرهابية» خلال العام الماضي.
وقالت هيئة الاستعلامات المخول لها مخاطبة الصحافة الأجنبية في مصر في بيان أمس: «اطلعت الحكومة المصرية على التقرير الصادر يوم 12 آب الجاري عن منظمة هيومن رايتس ووتش والذي اتسم بالسلبية والتحيز في تناوله لأحداث العنف التي شهدتها مصر خلال العام»، مضيفة أنها «ترفض التقرير وتنتقد عدم حياديته».
(الأخبار، أ ف ب)