بغداد | في الرابع من نيسان الجاري، وقّعت حكومة بغداد مع إقليم كردستان اتّفاقاً مؤقّتاً لاستئناف صادرات نفط الإقليم عبر ميناء جيهان التركي من جديد، وذلك ضمن مساعي الحكومتَين لحلحلة الأزمة الشائكة بينهما، والقائمة منذ عام 2003. وكانت محكمة تحكيم «غرفة التجارة الدولية» قد قرّرت، في 25 آذار الماضي، إيقاف تصدير نفط الإقليم عبر الأراضي التركية، على إثر دعوى رفعتها بغداد ضدّ حكومة أربيل. وأمرت المحكمة، أنقرة، بدفع تعويض قدره 1.5 مليار دولار عن صادرات نفط شمال العراق غير المصرّح بها ما بين عامَي 2014 و2018. وبلغ حجم خسائر حكومة الإقليم من الإيرادات النفطية جرّاء توقّف التصدير أكثر من 850 مليون دولار خلال أقلّ من شهر، وفقاً لتقديرات مستندة إلى تصدير 375 ألف برميل يومياً، وهذا ما فاقم من الأزمة المالية والمعيشية في الإقليم، وفقاً لوكالة «رويترز».ويتوقّع خبراء أن تطول قضية عودة تصدير نفط الإقليم عبر تركيا، نتيجة عدم فضّ بعض الخلافات بين الأطراف المتنازعة، إلى جانب المخاوف وغياب الثقة بين بغداد وأربيل في مسائل عدّة، أبرزها وضع صادرات الإقليم تحت سيطرة ورقابة شركة «سومو» الخاضعة للسلطة الاتحادية. ويؤكد مصدر رفيع المستوى في وزارة النفط العراقية، لـ«الأخبار»، مشترطاً عدم ذكر اسمه، أن «استئناف تصدير النفط مرّة أخرى قد يحتاج إلى وقت، وربّما اتّفاق آخر»، مبيّناً أنه «في حال عودة التصدير خلال الشهر الحالي، فلن يكون كما كان سابقاً». أمّا بشأن الاتفاق النفطي الأخير، فيصف المصدر حكومة بغداد بأنها «محبَطة»، خلال الوقت الحالي، بسبب غياب الإرادة الحقيقية لدى حكومة كردستان، بالإضافة إلى وجود مشاكل كبيرة بين «الحزب الديموقراطي الكردستاني» و«الاتحاد الوطني الكردستاني» بشأن إيرادات النفط والحقول الموزّعة داخل أراضي شمال العراق. ويستبعد المصدر أن تُوافق بغداد على طلب أنقرة إعفاءها من دفع التعويضات، لأن هذه الأخيرة جاءت بقرار محكمة دولية معتمِدة على اتفاقيات قديمة.
أمّا المتحدث باسم الحكومة العراقية، باسم العوادي، فينفي، لـ«الأخبار»، وجود مشكلات سياسية، موضحاً أن «ثمّة مشكلات فنّية في قضية تأخير استئناف تصدير نفط الإقليم». ويكشف العوادي أن «شركة سومو تُجري حالياً مفاوضات مع الشركات المصدّرة لنفط كردستان، وفقاً لسياسة وزارة النفط الاتحادية وشركة سومو بشأن الأسعار، وبالتالي التأخير هو بسبب إجراءات فنية فقط»، مضيفاً أن «مسألة التصدير تحتاج إلى أن تكتمل قانونياً، ويبدأ بعدها ضخّ النفط، وهذا بكلّ تأكيد سيأخذ فترة قليلة». ويلفت إلى أن «الحكومة الاتحادية لديها تواصل مع الحكومة التركية بهذا الشأن، وقد طلبت من الجهات المختصّة في تركيا قبل فترة قليلة القيام بفحص خطوط أنابيب النفط لكي تتأكّد من سلامتها وعدم تعرّضها لأيّ ضرر من الزلزال الأخير».
تسود توقّعات بأن تطول الأزمة حتى الانتهاء من تسوية النزاع بشأن عائدات البيع والمدفوعات


من جانبه، يقول النائب عن «الحزب الديموقراطي الكردستاني»، شيروان الدوبرداني، إن «حكومة الإقليم ما زالت ملتزمة بالاتفاق النفطي مع الحكومة الاتحادية، وإن مسألة استئناف صادرات نفط الإقليم عبر ميناء جيهان التركي ضرورية ليس فقط للشعب الكردي وإنّما لكلّ العراقيين». ويرى الدوبرداني، في تصريح إلى «الأخبار»، أن «التأخير الحاصل هو نتيجة بعض الاتفاقات التي تحتاج إلى بعض الوقت لمناقشتها. وكذلك هناك مشاكل فنّية، لكنّني متأكّد من أن التصدير سيعود خلال مدّة قصيرة، ولا توجد أيّ مشكلة بين الجانبَين». ويتابع أنه «لا يمكن نكران تأثير إيقاف التصدير على اقتصاد الإقليم والشعب الكردي، وخصوصاً أن هناك أزمة قديمة تخصّ تأمين رواتب الموظفين والمتقاعدين». ويردف أن «الاتفاق النفطي سيحلّ جميع النزاعات، وتشريع قانون النفط والغاز سيُناقَش قريباً من قِبل لجنة النفط والطاقة النيابية»، متوقّعاً أن «تتّفق بغداد وأربيل على تسيير أولى ناقلات النفط من الإقليم إلى خارج العراق خلال أيام قريبة، وهذا ضمن الاتفاقات التي أجراها الطرفان قبل شهر تقريباً».
وتُوافق النائب عن «الاتحاد الوطني الكردستاني»، ديلان غفور، الدوبرداني الرأي؛ إذ تَعتبر، في تصريح إلى «الأخبار»، أن «استئناف تصدير نفط الإقليم عبر تركيا بات قريباً»، مُقِرّةً في الوقت نفسه بوجود «مشكلات فنّية تعيق التصدير، ولكن يمكن حلّها بسهولة». وتشير غفور إلى أن «جزءاً من التأخير الحاصل هو بسبب الشركات المستثمرة في إقليم كردستان وخاصة التركية، لأنها تريد أن تتعامل بالتسعيرة الجديدة التي فرضتها إدارة بغداد من خلال شركة سومو»، منبّهةً إلى أن «إيقاف تصدير نفط الإقليم سيؤثّر على الاقتصاد العراقي ويفاقم من أزماته». وفي هذا الإطار، يؤكّد خبير شؤون الطاقة، فرات الموسوي، أن «إيقاف التصدير سيضرّ باقتصاد العراق، وخاصة بعدما اضطرّ إلى وقف نحو 450 ألف برميل يومياً من صادرات الخام من الإقليم». ويقدّر، في حديث إلى «الأخبار»، أن «يتسبّب وقف الصادرات النفطية بخسائر مالية للإقليم تصل إلى 36 مليون دولار يومياً. وعلى ضوء قرارات محكمة التحكيم الدولية، فغالبية الشركات العالمية الكبرى المختصّة في مجال النفط، انسحبت من العمل في كردستان، ولم تبقَ سوى الشركات الصغيرة المتخصّصة بالاستخراج فقط».
أمّا بالنسبة إلى تركيا، فيقول الموسوي إنه «في 17 نيسان الجاري، كانت بغداد قد توصّلت إلى حلّ يضمن تدفّق نفط إقليم كردستان إلى تركيا، بعد جولة من المفاوضات». ولكن، على رغم ذلك، لم تسمح الحكومة التركية باستئناف تصدير النفط عبر ميناء جيهان، إلى حين الانتهاء من قضية دفع الغرامات المالية التي أقرّتها محكمة التحكيم الدولية لصالح العراق. ويَتوقّع الخبير أن تطول هذه الأزمة ريثما تتمّ تسوية النزاع بشأن عائدات البيع والمدفوعات.