بغداد | انقضى اليوم الأول على تسمية رئيس الحكومة الجديد حيدر العبادي، بعيداً عن توقعات الكثيرين بانقلاب مضاد على التحالف الوطني، ولا سيما من عاشوا عصور الانقلابات العسكرية، وفترات المؤامرات السياسية في عقدي الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي.مع بزوغ الصباح، الجميع كان يتوقع أن تتحول شوارع بغداد إلى ثُكَن عسكرية كما كانت قبل ليلتين، بناءً على دعوة رئيس الوزراء السابق نوري المالكي الجيش والشرطة إلى الوقوف في جانبه. إلا أن الوضع بدا مختلفاً، على رغم تظاهرات في ساحة الفردوس الشهيرة وسط بغداد، تطالب المالكي بعدم التنازل عن منصبه.
وبعد ساعات، وبينما كان رئيس الوزراء الجديد يعدّ بيانه الأول للمرحلة المقبلة، اجتمع المالكي بقيادات الأجهزة الأمنية العراقية، ولم يحدث ما كان الجميع يخشاه، إذ دعاهم إلى الابتعاد عن الأزمة السياسية وممارسة مهماتهم بشكل طبيعي، قائلاً إن «ما حصل هو مشكلة دستورية تعالجها المحكمة الاتحادية، ولا يجوز لأي رجل أمن التأثر بما جرى البارحة (أول أمس)».

وحمل اللقاء مؤشراً واضحاً على قبول المالكي بالأمر الواقع، خلافاً لما أبداه عدد من أتباعه حين أطلقوا تصريحات مستعرة عبر فضائيات عراقية ليل أول من أمس.
وكان لافتاً تأكيد ايران على لسان وزير خارجيتها محمد جواد ظريف دعمها لـ«المسار الدستوري الذي اعتُمد في انتخاب رئيس الوزراء الجديد»، في إشارة واضحة إلى تأييد العبادي، وإطاحة المالكي.
إلى ذلك، كشف مصدر سياسي رفيع في التحالف الوطني عن وجود محاولات لإقناع المالكي بالبقاء في صفوف التحالف الوطني، ومنحه منصباً حكومياً. وأوضح المصدر لـ«الأخبار» أن «التحالف يحاول إقناع المالكي بمنصب وزاري، وعدم إلقائه في زاوية المعارضة أو قيامه بخلق جبهة للمنشقين».
وبقي المالكي وحيداً داخل حزب الدعوة الإسلامية، بعد أن هجرته قيادات الصف الأول مع حيدر العبادي، وأبرزهم الشيخ عبد الحليم الزهيري، وعلي الأديب الذي يوصف بالرجل الثاني في الحزب، ووليد الحلي الذي كان نائب الأمين العام للحزب لفترات طويلة، والسيد علي العلاق، فضلاً عن حلفائه كخضير الخزاعي القيادي في «حزب الدعوة ــــ تنظيم العراق»، وهادي العامري الأمين العام لـ«منظمة بدر»، إذ غاب هؤلاء عن المؤتمر الصحافي الذي عقده المالكي مساء أول من أمس، وحضرته شخصيات لا تنتمي إلى حزب الدعوة برزت أخيراً على الساحة السياسية، كهيثم الجبوري، وكاظم الصيادي، وحنان الفتلاوي، وصهريه حسين المالكي وياسر المالكي.
في غضون ذلك، أبدت معظم الكتل السياسية ارتياحها لتجاوز التحالف الوطني الأزمة، وتسمية العبادي لرئاسة الوزراء. فاعتبرت النائبة عن التحالف الكردستاني نجيبة نجيب تسمية العبادي «خطوة إيجابية لترسيخ مبادئ الديموقراطية»، مؤكدةً فتح صفحة جديدة لمد جسور الثقة بين مكونات الشعب. وقالت لـ«الأخبار» إن «هناك أمرين مهمين في هذا البلد، هما الشراكة الحقيقية وتطبيق الدستور، وانتهينا من الأزمة الدستورية بتكليف العبادي، وبقيت الشراكة الحقيقية التي ننتظرها منه».
ونفت نجيب علمها بوجود اتصالات بين التحالف الوطني والتحالف الكردستاني في شأن تشكيل الحكومة، لكنها أكدت أن اليومين المقبلين سيشهدان مفاوضات جدية بين الأطراف السياسية لتشكيل الحكومة.
إلى ذلك، رأى عضو اتحاد القوى الوطنية محمد الخالدي تكليف العبادي نهاية لأزمة سياسية ودستورية، رافقت أعتى أزمات الوضع الأمني في البلاد، وقال لـ«الأخبار » إن «الاتحاد سيسعى إلى إنجاح مساعي العبادي في تشكيل الحكومة»، داعياً المالكي إلى «عدم إفساد أحلام الشعب».
من جهته، أكد علي شبر من «كتلة المواطن» التابعة للمجلس الأعلى الإسلامي، «وجود محاولات من قبل بعض أنصار المالكي لإفساد تشكيل الحكومة، وهو ما يشكل دافعاً كبيراً وتحدياً مناسباً لبقية الكتل، كي تتصدى لهذه المحاولات وتدعم العبادي».
وعلى رغم أن مفاوضات تشكيل الحكومة لا تزال في بدايتها، يبدو أن بعض القادة المنشقين عن المالكي قد ضمنوا مناصب حكومية. فقد أوضح مصدر لـ«الأخبار» أن زعيم كتلة «مستقلون» المنضوية في ائتلاف دولة القانون حسين الشهرستاني ووزير التعليم في الحكومة المنتهية ولايتها عضو «دولة القانون» علي الأديب من ضمن من ينتظرون تسلم مناصب حكومية.
إلى ذلك، رحّب وزير الخارجية السعودي سعود الفيصل أمس، بتسمية رئيس وزراء جديد في العراق خلفاً لنوري المالكي. وعن تكليف العبادي بتشكيل الحكومة، قال الفيصل بالإنكليزية رداً على سؤال «إنه خبر سار تلقيته للتو».



العبادي مرشّح أميركا منذ حزيران

كشف موقع «ذي ديلي بيست» الأميركي، أمس، أنه على رغم أن الرئيس باراك أوباما لم يسع إلى إسقاط حكومة نوري المالكي بالقوة كما فعل سلفه، إلا أنه أوعز، منذ حزيران الماضي، إلى دبلوماسيين في واشنطن وبغداد لإيجاد بديل عنه. وأضاف الموقع أنه منذ ذلك الحين، بدأ الدبلوماسيون بدعم أحد أعضاء حزب المالكي «بشكل هادئ»، ليكون رئيس الوزراء المقبل، موضحاً أنه «يوم الأحد ظهرت نتيجة هذه الجهود عندما ألقت غالبية الساسة العراقيين الشيعة بثقلها وراء حيدر العبادي، الأمر الذي دفع الرئيس العراقي إلى اختياره لبدء تشكيل حكومة جديدة». وبعدما أكد الموقع أن الرئيس الأميركي ارتأى لسنوات عدم التدخل في العراق، إلا أنه أشار إلى أن استيلاء تنظيم «الدولة الإسلامية» على ثاني أكبر مدينة عراقية في حزيران الماضي، شكل نقطة التحوّل، وحينها بدأ أوباما في التسويق لرئيس وزراء عراقي جديد. وفي سياق التقرير، نقل الصحافي إيلي لايك عن مسؤول أميركي قوله: «كنا نعمل بهدوء ونرسل رسائل إلى مختلف الأطراف لنقول لهم إن العبادي هو البديل الأفضل». وأضاف أن هذه الدَّفعة الأميركية لم تكن العامل الوحيد لتولي العبادي رئاسة الحكومة، ولكن تدهور أحوال العراق في الأشهر الأخير أدى إلى سحب مؤيدي المالكي دعمهم له. وأوضح سياسيون أميركيون وعراقيون لـ«دايلي بيست» أن «السفير الأميركي في العراق روبرت بيركروفت ومساعد وزير الخارجية لشؤون العراق وإيران بريت ماكروغ، دفعا السياسيين العراقيين، من وراء الكواليس، لاختيار العبادي رئيساً للحكومة». ونقل الموقع عن مسؤول أميركي رفضه فكرة أن «يكون العبادي لعبة أميركية»، وقال: «هو ليس رجلنا، ولكنه شخص يمكننا أن نعمل معه». وأضاف المسؤول الأميركي: «نظن أنه سيدير بطريقة جامعة أكثر وبما هو أفضل للعراق».
(الأخبار)