القاهرة | لم يكن الاتصال بين الرئيسَين المصري عبد الفتاح السيسي، والإماراتي محمد بن زايد، أمس، مرتبطاً بالتحضيرات لقمّة المناخ، كما ورد في البيان الرسمي، وإنّما هدفت المكالمة إلى محاولة تنسيق المواقف بعدما رضخت القاهرة لما طلبته أبو ظبي، منذ اليوم الأول، أي التهدئة تجاه قوات «الدعم السريع» والتوقّف عن التحريض عليها، ولا سيما أن الإمارات توفّر دعماً مباشراً لقائدها، محمد حمدان دقلو (حميدتي). وقامت أبو ظبي بدور كبير في التصعيد ثمّ الاحتواء، حتى إن الفيديوات المهينة لجنود الجيش المصري المُحتجزين سُرّبت بمعرفتها، وذلك للضغط على مصر التي كانت على وشك تقديم دعم عسكري غير مباشر لقائد الجيش السوداني، عبد الفتاح البرهان، قبل أن تتراجع على خلفية الضغوط الإماراتية، والوعد الذي تلقّته باستعادة جميع الجنود العالقين في السودان سالمين.على أن الاستجابة المصرية للابتزاز الإماراتي جاءت وفق شروط، من بينها الإسراع في تنفيذ هذه الخطوة، وعدم الحديث عن تفاصيلها مطلقاً، إلى جانب الاكتفاء ببيانات مقتضبة في كلّ بلد، وهو أمر وافقت عليه أبو ظبي إرضاءً للقاهرة التي التزمت الصمت بالفعل وتراجعت عن دعمها المباشر للجيش السوداني. ويبلغ عدد القوات المصرية التي كانت موجودة في السودان ضمن بروتوكول «نسور النيل»، في مهمّة تدريبية، نحو 200 ضابط وجندي، 177 منهم تمكّنوا من الخروج سريعاً من قاعدة مروي في بداية الاشتباكات، بينما علق 27 ضابطاً وجنديّاً في قبضة «الدعم السريع»، وهي المجموعة التي نُشرت لها فيديوات مهينة قبل حذفها لاحقاً عن الإنترنت.
يبلغ عدد القوات المصرية التي كانت موجودة في السودان 200 ضابط وجندي


وخلال الأيام الماضية، كانت القوات المصرية معروفة الموقع بالنسبة إلى الجيش السوداني وقوات «الدعم السريع» والقيادة المصرية، لكن جرى الاتفاق على إبقاء الجنود في موقعهم الآمن من دون المساس بهم، وألّا يغادروا من دون تنسيق مسبق، وهو ما جرى بالفعل بعد التوافق مع جماعة حميدتي والجيش لإجلائهم من قاعدة «دنقلة» العسكرية، التي تسبّب عدم جاهزيتها لاستقبال طائرات تتّسع لعدد كبير من الأشخاص، في نقل الجنود عبر 3 طائرات. وبقيت الدفعة الأخيرة من الجنود المصريين، لساعات إضافية، رهينة مفاوضات تتّصل بتعهّدات مصرية مباشرة بعدم التدخّل في الشأن السوداني عسكريّاً، والوقوف على الحياد نسبيّاً في الصراع القائم، وهو ما وافقت عليه القاهرة ليبدأ بعدها التنسيق من أجل إخلائهم خلال ساعات الهدنة بوساطة مع «الصليب الأحمر الدولي».
الوساطة التي أدت فيها أبو ظبي دوراً كبيراً من خلال "المجلس الأعلى للأمن القومي الإماراتي" والاتصالات التي جرت، عُنيت بتحديد طريق لإخراج الجنود العالقين بالقرب من قاعدة مروي، ليتحرّكوا برّاً إلى العاصمة الخرطوم في مسار آمن، ويبقوا في السفارة المصرية لعدّة ساعات، على أن يتمّ حصر جميع الأسماء والتأكد من الهويات عبر الملحقية العسكرية في الخرطوم، ومن ثمّ يعودوا إلى القاهرة على متن طائرة خاصّة بعد ترتيبات مع الجيش السوداني. وبذلك، تكون الإمارات قد حقّقت انتصاراً واضحاً على مصر، لكن المشكلة التي تواجه إدارة الأزمة بين القاهرة وأبو ظبي مرتبطة بانحياز كلّ منهما إلى طرف، وسط محاولات بدأت بعد إنهاء الوساطة الإماراتية للتوصّل إلى هدنة مؤقّتة يجري في خلالها التفاوض بين الجانبَين، وربّما يتمّ التوصّل إليها خلال الأيام المقبلة إذا ما استمرّت المعركة العسكرية من دون حسم حتى منتصف الأسبوع المقبل.