الخرطوم | أعادت الأوضاع الأمنية المتدهورة في العاصمة السودانية، إلى الأذهان، ما حدث من انفلات أمني وفوضى وحالات قتل للمواطنين، في أعقاب فضّ اعتصام القيادة العامة قبل أربع سنوات، بعدما فرضت قوات «الدعم السريع»، وقتها، كامل سيطرتها على العاصمة. ومرّة أخرى، تنفّذ تلك القوات عمليات قتل بحقّ مواطنين لمجرّد تشكيكها في أن لديهم خلفية عسكرية، بل إن وجود فيديو على هاتف أحدهم يوثّق عمليات الاقتتال الدائرة، كفيل بإزهاق روح صاحبه. وتنتشر «الدعم» في معظم الشوارع الرئيسة والفرعية لمدن العاصمة الثلاث، من دون أن يعني ذلك تمكُّنها من السيطرة على الخرطوم. ويضطرّ سكّان المناطق التي تقع تحت مرمى النيران، للانتقال إلى أحياء أكثر أمناً وإلى الولايات الأخرى، لكنهم يصادفون في طريقهم عدداً من نقاط التفتيش التابعة لـ«الدعم»، حيث يتعرّضون لعمليات تضييق. عملياتٌ تُضاعف حالة الإحباط لدى الشارع، الذي تغمّه استطالة الاقتتال وارتفاع عدد الضحايا، مدنيين كانوا أو عسكريين، علماً أن أيّاً من الطرفَين المتقاتلَين لم يخرج، حتى الآن، بإحصاءات للقتلى والجرحى.وفي وقت لم تكن فيه قد انتهت مدّة الهدنة الجديدة المفترَضة، تجدَّد تبادل لإطلاق النار بين الجانبَين، إذ شهدت منطقة شمال الخرطوم، وتخوم مصفاتها في الجيلي، دويّ انفجارات ضخمة نتيجة استهداف سلاح الجو رتلاً من السيارات التابعة لقوات «الدعم السريع»، بينما كانت في طريقها إلى العاصمة عبر الطريق الرابط بين ولايتَي نهر النيل والخرطوم، ما أدّى إلى «تدمير أكثر من 100 عربة بكامل تجهيزاتها»، وفق ما زعم بيان للجيش، أشار أيضاً إلى تراجع حدّة هجمات «الدعم» على محيط القيادة العامة. وفي الأثناء، شهدت مدينة الأبيض، عاصمة ولاية شمال كردفان، اشتباكات عنيفة، ظهر أمس، حين هاجمت «الدعم» مباني رئاسة الشرطة، ما أدّى إلى مقتل 15 شرطيّاً. ووفق شهود عيان، استهدفت تلك القوات عدداً من الأُسر التي استوطنت المقارّ الخاصّة بها في غرب الأبيض، بعد إخلائها إيّاها. كما اقتحمت سوق المدينة، واستولت على إمدادات من المواد الغذائية.
على رغم عدم انتهاء مدّة الهدنة المفترَضة، إلّا أن تبادلاً لإطلاق النار تجدَّد بين الجانبَين


وفي ظلّ هذا الوضع، سادت حالة استغراب من إحجام قيادة القوات المسلّحة عن إصدار أيّ إرشادات أو توجيهات للمواطنين تنذرهم بعدم التحرّك أو البقاء في المنازل، كما عن نشْر التوعية حول كيفيّة التصرّف في لحظة تفعيل الضربات الجوية والمدفعية. أيضاً، استُهجن غياب الدفاع المدني وعدم اضطلاعه بمهمّة إجلاء المرضى والقتلى وفتح مسارات آمنة للمواطنين بالتنسيق مع «الهلال الأحمر» والمنظمات الدولية، وتحديد نقاط لإسعاف المصابين إلى أماكن محصّنة، ووضع أرقام هواتف للطوارئ. وفسّر متابعون ذلك القصور باحتمال أن تكون خطّة المواجهة لدى الجيش قد وُضعت بصورة مرتجلة بعد بدء الاقتتال، ولم يتمّ إقرارها مسبقاً.
وفي مقابل هذا العجز، شرعت هيئات مهنيّة، ولا سيما نقابات الأطباء والصيادلة، في فتح خطوط للاستشارات الطبية المنزلية، كما وضعت قائمة بأسماء الصيدليات التي ما زالت تحت الخدمة وتتوفّر فيها الأدوية الضرورية. وبدأ ناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي، كذلك، حملةً لمساعدة المحتاجين، سواء عبر توفير سيارات للإجلاء أو ماء للشرب أو مساعدة مريض بحاجة إلى الإسعاف، وسط إقبال كثيف على تقديم المساعدة.