القاهرة | لم يخرج اجتماع الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، بالمجلس الأعلى للقوات المسلّحة، مساء الإثنين، والذي تناول الأوضاع في السودان، بأيّ نتائج ملموسة، بقدر ما حمل بعداً سياسياً، مرتبطاً بالتشديد على ضرورة التهدئة والبدء بجهود الوساطة، والتي أبدى السيسي استعداده للانخراط فيها بالفعل، جنباً إلى جنب الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، ورئيس جنوب السودان سلفا كير. ولم يتطرّق الاجتماع إلى مصير عشرات الجنود المصريين المعتقَلين لدى قوات «الدعم السريع» في قاعدة مروي الجوية، والذين تحوّلوا إلى أداة ضغط بيد تلك القوات على مصر، من أجل منعها من تزويد الجيش السوداني بأيّ معدّات عسكرية. وكان الجنود ظهروا في مقاطع مصوَّرة وهم عزّل من السلاح، بينما يتلقّون الإهانات من عناصر «الدعم السريع»، وهو ما حمل قائد هذه الأخيرة، محمد حمدان دقلو (حميدتي)، على الاعتذار، من دون إرسال أيّ إشارات بنيّة الإفراج عنهم، ليبقى هؤلاء محدّداً رئيساً للتحرّك المصري على خطّ الأزمة السودانية، سواءً سرّاً أو علناً، في ظلّ محاولة تتبّع مسار انتقالاتهم، وخاصة بعد سيطرة الجيش السوداني على المكان الذي جرى تصويرهم فيه للمرّة الأولى.واكتفى السيسي، في اجتماع المجلس الأعلى للقوات المسلّحة، بتأكيد شرعية تواجد الجنود المصريين في السودان، وفق بروتوكول التدريب بين القاهرة والخرطوم، موضحاً أن القوات المصرية لم تكن موجودة للمشاركة في القتال كما حاول البعض الترويج في الساعات الأولى بعد نشر الفيديو، في ما بدا محاولة للحفاظ على سلامة الجنود، الذين لم يُكشف عددهم بعد. على أن هذه «التطمينات» لا تحجب حقيقة الموقف المصري الداعم سياسياً وإعلامياً (ولوجستياً في السرّ)، منذ الساعات الأولى للاشتباكات، للقيادة العامّة للجيش السوداني برئاسة الفريق أول عبد الفتاح البرهان، والمشدّد على أحقّية الجيش في التعامل مع «العناصر المتمرّدين الذين يهدّدون الأمن والاستقرار»، وإنْ مع الدعوة إلى التهدئة، والعمل على الوصول إلى حلّ توافقي. ويتجلّى جانب من الموقف المُشار إليه في الحملة الإعلامية التي خرجت من «المحروسة» ضدّ «الدعم السريع»، والتي سلّطت الضوء على الاتّهامات المُوجَّهة إلى الأخيرة دولياً، على خلفية ما اتُّهمت بارتكابه في إقليم دارفور.
أكثر ما تخشاه مصر إمكانية أن تستثمر إثيوبيا الوضع من أجل تعزيز موقفها في أزمة سدّ النهضة


لكنّ موقف مصر هذا، لا يجد مساوقةً من حلفائها الخليجيين، وخاصة السعودية والإمارات، التي تساند «الدعم السريع» عسكرياً ومالياً، وتُخصّص منصّات ومنابر لترويج تحقيق تلك القوّات انتصارات عسكرية على الأرض، وبثّ مقاطع الفيديو التي تقوم بإنتاجها. ومن المتوقّع أن يتسبّب ذلك الانحياز الإماراتي بمزيد من التوتّر مع القاهرة التي تنظر إلى تحرّكات حميدتي باعتبارها تهديداً للأمن القومي المصري، وهو ما سينعكس بالضرورة على ملفّ الاستثمارات المتأزّم أصلاً، حيث حوّلت الدول الخليجية مسألة شراء أصول حكومية في مصر وتوفير العملة الصعبة للأخيرة، إلى ورقة ضغط وابتزاز للقاهرة، وهو ما ظهر خلال الاتصالات الاستخباراتية التي جرت في الأيام الماضية. على أن أكثر ما يخشاه الجانب المصري حالياً، إمكانية أن تستثمر إثيوبيا الأزمة الحالية من أجل تعزيز موقفها في ما يتّصل بمعضلة سدّ النهضة. وبدأت القاهرة تتلمّس بوادر الاستثمار المذكور، من خلال مبادرة أديس أبابا إلى محاولة لعبِ دور الوساطة بين الجيش السوداني وقوات «الدعم السريع»، وخصوصاً أن قائد هذه الأخيرة بدأ التنسيق مع قادة دول عدّة، من أجل إبداء استعداده لتقديم تنازلات لهم مقابل دعمه في تحقيق نصر عسكري على الأرض. ومن هنا، حذّر وزير الخارجية الأسبق، عمرو موسى، من أن احتمال استغلال إثيوبيا للوضع يفاقم مشكلة «النهضة»، مطالباً، في بيان، بوقفة صريحة وجريئة تجاه المصالح المصرية في السودان، في ما بدا رسالة موجّهةً إلى دول الخليج خصوصاً.