بعد أقلّ من أسبوع على زيارة هي الأولى من نوعها لوزير الخارجية السوري، فيصل المقداد، إلى الرياض، وبعد نحو أربعة أيام على الاجتماع الذي احتضنته جدّة لوزراء خارجية «مجلس التعاون الخليجي»، بالإضافة إلى مصر والعراق والأردن، لمناقشة المسألة السورية، حطّ وزير الخارجية السعودي، فيصل بن فرحان، رحاله في العاصمة السورية، وسط تأييد عربي غالب لعودة دمشق إلى مقعدها في «جامعة الدول العربية»، ورفضٍ لهذا الإجراء تقوده قطر والمغرب. وسيكون من شأن خطوة ابن فرحان تسريع وتيرة الانفتاح السعودي - السوري، والذي يأتي في إطار انفتاح عربي يُتابع توسّعه بعد قطيعة تجاوزت العقد من الزمن، والتمهيد ربّما لعودة معادلة «س – س» التي استطاعت سابقاً فرض توازن سياسي في المنطقة، إلى الواجهة مرّة أخرى
زحمة لقاءات وزيارات سجّلتها الديبلوماسية السورية خلال الأسبوعَين الماضيَين، وسط حَراك عربي مستمرّ لإعادة توثيق العلاقات المقطوعة بين دمشق والعواصم العربية. إذ لم تهدأ طائرة وزير الخارجية السوري، فيصل المقداد، والتي تتابع التحليق بين عاصمة وأخرى، فيما كانت آخر رحلاتها جولة مغاربية شملت الجزائر، التي لم تقطع علاقتها مع دمشق طيلة فترة الحرب، وتونس التي تعيد وصل علاقتها الديبلوماسية على أعلى المستويات مع سوريا. المقداد، وخلال زيارته المغاربية التي ما زالت مستمرة، أشار إلى أن مسألة العلاقات السورية - العربية تُعتبر أولوية بالنسبة لحكومة بلاده، مستبعداً، في الوقت الحالي على الأقل، عودة سوريا إلى مقعدها المجمّد منذ 11 عاماً في «جامعة الدول العربية».
ويأتي ذلك على رغم اشتغال السعودية المستمرّ على تحقيق هذه العودة خلال القمّة التي تستضيفها في التاسع عشر من شهر أيار المقبل، وهو ما دفعها إلى عقد جلسة مشاورات في جدة، لم تَخرج بأيّ جديد، باستثناء تأكيد الدول المشاركة تمسّكها بمبدأ وحدة الأراضي السورية، ورفضها التدخل الخارجي، وترحيب معظم المشاركين بخطوات إعادة العلاقات مع دمشق، باستثناء قطر، التي اعتبرت هذا الأمر «شأناً سيادياً خاصاً بكل دولة»، معيدةً التذكير بموقفها الرافض الانفتاح على سوريا. وأبدت الكويت، التي أعلنت في وقت سابق استمرار موقفها الحالي من دمشق، من جهتها، مرونة أكبر، عن طريق تأكيدها التزام الإجماع العربي، ما يعني ربطها تطبيعها مع سوريا بوجود إجماع كهذا، ما زالت قطر والمغرب تغرّدان خارج سربه. في الأثناء، نقلت صحيفة «القبس» الكويتية عن مصادر حكومية أن وزير خارجية الكويت، سالم عبد الله الجابر الصباح، سيزور دمشق الخميس المقبل، بعد يومين على زيارة نظيره السعودي، قبل أن تقوم بإزالة الخبر، وتُصدر الخارجية الكويتية، في وقت لاحق، نفياً لهذه الأنباء. في المقابل، لم تعلّق دمشق على الأنباء التي نشرتها «القبس»، سواءً بالتأكيد أو النفي، مركّزةً على العمل القائم حالياً سواءً في الجزائر، أو تونس التي يزورها المقداد، أو زيارة الوزير السعودي ولقائه الرئيس السوري، والذي يعيد ترتيب العلاقات بين دمشق والرياض.
أبدت الكويت مرونة أكبر عن طريق تأكيدها التزام الإجماع العربي الذي ما زالت قطر والمغرب تغردان خارج سربه


ويستعدّ الأسد لزيارة المملكة خلال المرحلة المقبلة تلبيةً لدعوة سعودية، الأمر الذي من شأنه أن يعيد ترتيب التوازنات في المنطقة بشكل عام، بما يشمل لبنان الذي يعيش فترة فراغ رئاسي، ولعبت العلاقات السورية - السعودية، تاريخياً، دوراً في حفظ توازنه. الوزير السعودي، الذي استقبله في المطار وزير شؤون الرئاسة، في ظلّ سفر المقداد، انتقل على الفور من المطار إلى القصر الرئاسي للقاء الرئيس السوري، في وقت نشرت الخارجية السعودية بياناً أكد أن هذه الزيارة تأتي في سياق «حرص المملكة على الحلّ السياسي، وعلى إعادة سوريا إلى محيطها العربي، بالإضافة إلى حرصها على وحدة سوريا وأمنها واستقرارها وهويتها العربية».
وبالتوازي مع الحراك العربي الواسع نحو دمشق، يشهد مسار التقارب السوري - التركي تباطؤاً مستمرّاً، في ظلّ تمسّك دمشق بموقفها الذي يربط بين التطبيع مع أنقرة وخروج القوات التركية غير الشرعية من الأراضي السورية، ضمن خطّة يتمّ الاتفاق عليها داخل «الرباعية» (سوريا وتركيا وإيران وروسيا). وتسبّب ذلك، مرّة أخرى، بتأخير لقاء مجدول على مستوى وزراء الخارجية، بعد أن استضافت موسكو لقاءً على مستوى معاوني وزراء الخارجية، قدّمت فيه الأطراف الأربعة رؤيتها للحلّ، قبل أن يخرج وزير الخارجية التركي، مولود تشاويش أوغلو، بتصريحات رفض من خلالها ربط التطبيع مع دمشق بمسألة خروج القوات التركية، والتي ربط وجودها بما سمّاه «المخاطر الإرهابية»، في إشارة إلى القوى الكردية المنتشرة على جزء من الشريط الحدودي بين تركيا وسوريا.
وعلى الرغم من ذلك التباطؤ، تتابع موسكو، التي ترغب بشدّة في فتح الأبواب المغلَقة بين البلدين، جهودها في هذا المجال، أملاً في تحقيق خرق في المشهد الساكن منذ بضع سنوات، وتصعيد الضغوط على الولايات المتحدة في سوريا. وإذ يتفق أطراف «الرباعية» على ضرورة خروج القوات التي تتمركز في المناطق النفطية السورية، بالإضافة إلى قاعدة «التنف» عند المثلث الحدودي مع العراق والأردن، تَبرز توقّعات بأن يلتئم شمل وزراء خارجية المجموعة مطلع الشهر المقبل.