صنعاء | على رغم الأجواء الإيجابية التي سادت المفاوضات المباشرة في ما بين صنعاء والرياض الأسبوع الماضي، وما أعقبها من خطوات أوّلية لـ«بناء الثقة»، تظلّ التفاهمات مظلَّلة بغيوم الانتكاس مجدّداً، وخصوصاً في ظلّ إصرار السعودية على تصدير نفسها كوسيط، والذي ترى فيه «أنصار الله» محاولة للتهرّب من أيّ التزامات بشأن التعامل مع تبعات العدوان والحصار. وفي هذا الإطار، كرّرت الخارجية السعودية ما جاء في مضمون تغريدة سفيرها لدى اليمن، محمد آل جابر، أثناء تواجده في صنعاء، إذ قالت، في بيان أوّل من أمس، إن زيارة وفدها للعاصمة اليمنية، «تأتي في إطار الجهود التي تبذلها المملكة وفقاً لمبادرة السلام التي أطلقتها في آذار 2021، لإنهاء الأزمة اليمنية والتوصّل إلى وقف إطلاق نار شامل تحت مراقبة الأمم المتحدة»، وهي المبادرة التي لم تعلّق عليها صنعاء في حينه، فيما وافقت حكومة عدن عليها، علماً أنها تبرّئ السعودية من الجرائم التي ارتكبتها في اليمن، وتعيد فرض وصايتها على هذا البلد من خلال تكريس المبادرة الخليجية والمرجعيات الأخرى التي تجاوزها الواقع اليمني، كمرجعية لأيّ تسوية قادمة. وكان آل جابر قال، في تغريدة على «تويتر»، إن زيارته والوفد المرافق له لصنعاء «تأتي في إطار الجهود التي تبذلها بلاده لإنهاء الحرب وإحلال السلام»، مقدّماً نفسه وسيطاً في ما بين اليمنيين، ومثيراً بذلك ردود فعل غاضبة أدّت إلى توقّف اللقاءات ليومين قبل أن يتمّ استئنافها.وجاء بيان الخارجية السعودية في أعقاب لقاء جمع آل جابر برئيس «المجلس الرئاسي»، رشاد العليمي، وأعضائه في الرياض، مساء الإثنين، حيث ذكرت مصادر دبلوماسية أن السفير السعودي أبلغ العليمي وزملاءه بما دار في المشاورات المباشرة، مشيرة إلى أن المجلس وافق على مقترحات قدّمها الجانب السعودي بشأن صرف المرتّبات ورفع الحصار بشكل كلّي عن مطار صنعاء وفتح الطرقات والمعابر البرّية.
إجراءات «بناء الثقة» ستتواصل بين صنعاء والرياض بعد نجاح عملية تبادل الأسرى

وفي الإطار نفسه، نقلت وكالة «سبأ» التابعة لحكومة عدن، عن آل جابر تأكيده أن «الرئاسي» أبدى «مباركته» لنتائج المفاوضات القائمة بين الرياض وصنعاء، على رغم أن هذه الأخيرة تَجري بمعزل عنه. من جهتها، أفادت مصادر مقرّبة من حكومة عدن، «الأخبار»، بأن إجراءات «بناء الثقة» ستتواصل في أعقاب نجاح عملية تبادل الأسرى التي جرت مطلع الأسبوع، مؤكّدةً استعداد الطرفَين لعقد جولة جديدة برعاية أممية الشهر المقبل، للبحث في الإفراج عن نحو 1400 أسير. وأشارت المصادر إلى أن خارطة الحلّ التي سبق لصنعاء والرياض التوافق عليها في مسقط، خضعت للتعديل خلال المفاوضات المباشرة، وأُدخلت عليها آلية مزمّنة للتنفيذ في الجانبَين الإنساني والاقتصادي. لكن وفق المعلومات، فإن بعض النقاط لا تزال عالقة، وخصوصاً في ما يتّصل بمصدر صرف المرتّبات، والذي تصرّ «أنصار الله» على أن يكون مرتبطاً بعائدات تصدير النفط والغاز، فيما تستمرّ في المقابل محاولات رهنه بالعوائد الضريبية والجمركية على سفن المشتقّات النفطية الآتية إلى ميناء الحديدة. كذلك اشترطت صنعاء خروج القوات الأجنبية من اليمن خلال فترة زمنية محددة، وإعادة الإعمار وجبر الضرر - وهو ما لا يزال محلّ خلاف أيضاً -، فيما جرى بحث النقاط المتعلّقة بوقف إطلاق النار الشامل والحلّ السياسي وحسن الجوار وتأمين الحدود.
من جانبه، أبدى المبعوث الأممي إلى اليمن، هانس غروندبرغ، تفاؤله في إحراز تقدّم كبير في مسار السلام في اليمن، وقال في إحاطته الأخيرة أمام مجلس الأمن: «أعتقد أننا لم نشهد مثل هذه الفرصة الجادّة للتقدّم من أجل إنهاء النزاع خلال ثماني سنوات، لكن لا يزال من الممكن أن يتحوّل المسار ما لم تتّخذ الأطراف خطوات أكثر جرأة نحو السلام». وشدّد على أن «أيّ اتفاق جديد في اليمن يجب أن يكون خطوة واضحة نحو عملية سياسية بقيادة يمنية، ويجب أن يتضمّن التزاماً قوياً من الأطراف للالتقاء والتفاوض بحسن نيّة، بعضهم مع بعض».