حطّ وزير الخارجية السوري فيصل المقداد على رأس وفد دبلوماسي، يضمّ معاونه أيمن سوسان، ومدير إدارة الدعم التنفيذي جمال نجيب، ويزن الحكيم من مكتب وزير الخارجية، في مدينة جدّة السعودية، لإجراء لقاءات مع مسؤولين سعوديين، في أول زيارة لمسؤول دبلوماسي سوري الى المملكة منذ انقطاع العلاقات بين البلدين عام 2011. وذلك قبل يومين من عقد لقاء على مستوى وزراء خارجية «مجلس التعاون الخليجي»، إلى جانب مصر والأردن والعراق، لمناقشة عودة سوريا إلى «جامعة الدول العربية»، قبيْل القمة التي تستضيفها الرياض الشهر المقبل. ويناقش وزير الخارجية السوري مع مسؤولين سعوديين قضايا عدة، من بينها «الجهود المبذولة للوصول إلى حلٍ سياسي للأزمة السورية»، وفق بيان للخارجية السعودية. وتتزامن زيارة المقداد إلى جدّة، مع زيارة لوفد إيراني إلى العاصمة السعودية الرياض، لمناقشة الخطوات اللازمة لإعادة فتح السفارات بين البلدين، بعد وساطة صينيّة أثمرت عن عودة العلاقات بينهما. كذلك، يجري التحضير لزيارة وزير الخارجية السعودي إلى دمشق، تعمل الرياض على أن تحمل معها دعوة إلى سوريا للعودة إلى مقعدها في الجامعة العربية.,وفيهذا السياق، استبقت تونس زيارة مخطَّطة لوزير الخارجية السوري، تشمل الجزائر وتونس بعد بضعة أيام، بإعلان مشترك مع دمشق عن إعادة العلاقات الدبلوماسية بشكل رسمي، والبدء بفتح السفارات بين البلدين. جاء ذلك بعدما سمّت الأولى محمد المهذبي سفيراً لها، وأرسلت أوراق اعتماده إلى العاصمة السورية، على أن تُستكمل الإجراءات المتبقّية لإعادة فتح السفارات بشكل نهائي خلال الأيام القليلة المقبلة. الخطوة التونسية، التي تأخّرت بعض الشيء على رغم إعلان تونس المتكرّر رغبتها في إنهاء القطيعة مع دمشق، جاءت مباشرة في أعقاب الزلزال الذي ضرب سوريا وتركيا، حيث أعلن الرئيس التونسي، قيس سعيّد، الشروع في الانفتاح الكامل على سوريا. وتَرافق هذا الإعلان مع بيان رئاسي أشاد بالموقف السوري، وأعاد التذكير بالعلاقات التاريخية بين البلدَين، والتي انقطعت خلال فترة حُكم الرئيس التونسي الأسبق المحسوب على جماعة «الإخوان المسلمين»، المنصف المرزوقي، قبل أن يعود الرئيس التونسي اللاحق، الباجي قائد السبسي، ويفتح مكتباً لإدارة الشؤون القنصلية وتقديم الخدمات للرعايا التونسيين في سوريا عام 2015. وإلى جانب ما تَقدّم، استمرّ التعاون الأمني بين البلدَين لمكافحة «الإرهاب»، في ظلّ وجود عدد كبير من «الجهاديين» التونسيين الذين قدِموا إلى سوريا، ثمّ جاء الرئيس الحالي ووعد منذ ما قبل الانتخابات الرئاسية بإعادة العلاقات مع سوريا، وسط مطالبات شعبية تزايدت آنذاك بالإقدام على خطوة كهذه. وبعودة العلاقات السورية - التونسية، يبقى المغرب البلد المغاربي الوحيد تقريباً الذي يعيش حالة قطيعة مع سوريا، الأمر الذي تعيده أوساط مغربية إلى الموقف الأميركي الرافض للانفتاح على دمشق، والذي تسير وفقه الرباط، بالإضافة إلى أمور أخرى عالقة؛ من بينها العلاقات السورية – الجزائرية الوثيقة، والخلافات بين المغرب والجزائر حول قضية الصحراء الغربية.
تستضيف جدة لقاء لوزراء خارجية «مجلس التعاون الخليجي» يشارك فيه العراق والأردن ومصر لمناقشة العلاقات العربية مع سوريا


وبالتوازي مع الخطوة التونسية الأخيرة، تستضيف جدة، غداً الجمعة، لقاء لوزراء خارجية «مجلس التعاون الخليجي»، يشارك فيه أيضاً العراق والأردن ومصر، لمناقشة العلاقات العربية مع سوريا، وعودة دمشق إلى مقعدها المجمّد في الجامعة العربية منذ عام 2012. واستبقت الكويت الاجتماع بإعلانها المضيّ قُدُماً في أيّ قرار ينال إجماعاً عربياً حول سوريا، الأمر الذي يمثّل تمهيداً للتراجع عن الموقف الرافض لعودة العلاقات مع دمشق، في وقت أعلنت فيه الدوحة دراستها لموقفها من دعوة سوريا إلى الجامعة تبعاً لـ«الإجماع العربي والتغيير الميداني على الأرض الذي يحقّق تطلّعات الشعب السوري»، معيدةً التذكير بأنها ترى أن «الأسباب التي دعت إلى تجميد عضوية سوريا لا تزال قائمة»، وفق اعتقادها. وعلى الرغم من التصريحات القطرية الرافضة لعودة سوريا إلى الجامعة بشكل مبطّن، يقود سياق التطوّرات السياسية العربية الحالية إلى وجود حالة شبه إجماع على فكّ تجميد العضوية، وهو ما يجعل موقف الدوحة وحيداً، وخصوصاً أن الحَراك العربي يأتي مترافقاً مع آخر من تركيا، الشريك الاستراتيجي لقطر، للتطبيع مع سوريا، وفق مسار ترغب أنقرة في تسريع وتيرته للتخلّص من أعباء الأزمة السورية التي طالت. وكانت هذه الجهود التركية قد دفعت «الائتلاف السوري» المعارض إلى نقل جزء من حَراكه السياسي من تركيا إلى قطر، حيث نشّط وتيرة لقاءاته مع الولايات المتحدة وممثّلي دول أوروبية معادية لدمشق في الدوحة، آخرها لقاء بين رئيسه سالم المسلط، وسفراء فرنسا وإسبانيا وتركيا والبرتغال ومقدونيا ودول إفريقية، ودبلوماسيين من الولايات المتحدة وأوكرانيا ودول أوروبية.
ويأتي الانتقال العربي عموماً من حالة القطيعة مع سوريا إلى الانفتاح التدريجي، بعدما استعادت دمشق السيطرة الميدانية على معظم الأراضي السورية، باستثناء الشمال والشمال الغربي الذي تنتشر فيه فصائل عديدة؛ من بينها «هيئة تحرير الشام» (جبهة النصرة)، إلى جانب قواعد عسكرية لتركيا، تعمل سوريا على تفكيكها ضمن مسار المبادرة الروسية - الإيرانية للتطبيع بين دمشق وأنقرة. كما يخرج من دائرة سيطرة الحكومة السورية، الشمال الشرقي من البلاد، والذي تسيطر عليه «قوات سوريا الديموقراطية» بدعم من قوات «التحالف الدولي» بقيادة الولايات المتحدة، التي تعاني بدورها ضغوطاً ميدانية متزايدة على قواعدها في المناطق النفطية السورية عبر هجمات صاروخية متواترة، توازيها ضغوط سياسية سورية – روسية – تركية – إيرانية لإخراجها من سوريا.
وبينما تحاول واشنطن منع الانفتاح على دمشق، عبر التهديد المستمرّ بقانون العقوبات الأميركية على سوريا (قيصر) والذي يتضمّن بنوداً تسمح للولايات المتحدة بفرض عقوبات على دول وكيانات تتعاون مع الحكومة السورية، شكّلت نيويورك إحدى أبرز محطّات الانفتاح العربي على دمشق، في مفارقة لا يمكن تجاوزها. إذ شارك وزير الخارجية السوري، فيصل المقداد، في اجتماعات الجمعية العمومية للأمم المتحدة هناك العام الماضي، وأجرى على هامش مشاركته سلسلة لقاءات مع وزراء خارجية عرب، الأمر الذي مهّد إلى انتقال متسارع من حالة القطيعة إلى حالة الانفتاح التي تصدّرتها الإمارات في الفترة الأخيرة، قبل أن تنضمّ السعودية التي تعيش عهداً جديداً في العلاقات مع إيران إليها. وتُكثّف الرياض جهودها لتوحيد الموقف العربي قبيل دعوة سوريا إلى قمّة الشهر المقبل، وهي «وحدةٌ» أعلن الرئيس السوري صراحة رغبته في تحقّقها قبل أن تعود بلاده إلى الجامعة، مؤكداً أن سوريا لن تعود قبل حصول إجماع عربي على ذلك، معتبراً العلاقات الثنائية أكثر أهمّية من تلك العودة