في 17 شباط من العام الماضي، بدأت معركة فك الحصار عن نبل والزهراء: ساعات قليلة سيطر الجيش السوري وحلفائه على باشكوي وحردتنين ورتيان. «طلع الضو» على مجموعات سوريّة محاصرة في رتيان، وانسحاب جزء آخر من حردتنين تحت وابل من القصف المركّز واندفاعة مئات المسلحين من القرى المحيطة نحو البلدة. يوم إضافي، أضحى الجيش متمركزاً في باشكوي فقط، لتنتهي العملية بمكسب باشكوي، كرأس سهم جديد لأيّ عملية لاحقة.
فجر الاثنين الماضي، كان ريف حلب الشمالي على موعد جديد لفك الحصار عن البلدتين المحاصرتين منذ تموز 2012. الانجازات المحققة خلال اليومين الماضين بدأت بالسيطرة على دوير الزيتون (شرق باشكوي) ثم التقدم باتجاه تل جبين المشرفة على حردتنين ورتيان، ما ساعد في السيطرة على حردتنين أمس. كما أسفر تطوّر العمليات عن محاصرة المجموعات المسلّحة في بلدة رتيان، وقطع طريق إمداد المسلحين الشرقي بين بلدات ماير - حيان - حريتان - عندان. وحتّى مساء أمس، تقلصت المسافة التي تفصلُ القوات المتقدّمة عن نبّل والزهراء إلى حوالى 4 كيلومترات.
تُظهر طريقة إدارة الجيش وحلفائه للعملية اختلافاً كبيراً عن المحاولة السابقة منذ سنة
وتلعب قوّات الدفاع المحلية في البلدتين دوراً فعّالاً في المعارك الدائرة، عبر المساهمة في السيطرة النارية على بلدة معرستة الخان، ومداخل بلدة ماير، أقرب نقاط المسلّحين إلى نبّل. وحتى الآن، تُظهر طريقة إدارة الجيش وحلفائه للعملية العسكريّة اختلافاً كبيراً عن المحاولة السابقة منذ سنة، فبالإضافة إلى التقدّم عن طريق القضم والسيطرة المسبقة على تل جبيّن الاستراتيجية، كانت الغارات الروسية تساهم على نحو كبير بتشتيت القوات المدافعة وقطع خطوط امدادهم. فِعل الانكسار بالحساب الرياضي حدث فعلاً بسرعة التقدّم وشكله، وقتل عدد كبير من قياديي وعناصر المسلحين، بالإضافة إلى صعوبة فتح جبهات إشغال أو إرسال مؤازرات بالسهولة ذاتها سابقاً. وتظهر المعركة اليوم غياب حساب الجبهات المفتوحة لدى الجيش، كما أنّ مسألة «نقل رتل» من محافظة إلى أخرى لم تعد حاضرة بفضل التعزيزات التي استقدمها الجيش وحلفاؤه إلى المنطقة، والتي أتاحت تخصيص كلّ جبهة بقوات متكاملة. فجبهة ريف حلب الجنوبي قد تعود للاشتعال في أي لحظة بعد تقدّم واسع من خان طومان إلى ملامسة الحدود الإدارية لريف إدلب الشمالي، كما تواصل قوات أخرى انجاز خطتها في ريف حلب الشرقي للوصول إلى مدينة الباب، والتمدّد غرباً للوصول إلى المنطقة المسيطر عليها شمال السفيرة. وتشير كل المُعطيات المتوافرة من الميدان إلى أنّ شمال حلب بات على أبواب مرحلة جديدة، توازي نتائجُها إنجازات المعركة المفتوحة في الريفين الجنوبي والشرقي. وثمّة عوامل عدة تمنح معارك الريف الشمالي أهمية خاصة، على رأسها يأتي التماس مع «الملعب» التركي في الشمال السوري. ومن شأن اقتراب قوّات الجيش وحلفائه تدريجيّاً من الحدود التركية التذكير بما جرى إنجازُه خلال الفترة الماضية على جبهة ريف اللاذقيّة الشمالي. وعلاوةً على ذلك، سيكون فكّ الحصار عن نبل والزهراء كفيلاً بتحرير عشرات الالاف من السكان الرازحين تحت ظروف مأسوية في ظل واحدٍ من أطول الحصارات المفروضة على مناطق مدنيّة منذ بدء الحرب. وأيضاً، فإنّ فك الحصار في حال نجاحه، سيوفّر للدولة خزّاناً بشريّاً من العناصر الذين سيتحوّلون من مُحاصَرين على خطوط تماس ثابتة إلى رأس حربة في المعارك المقبلة في الأرياف الحلبية. كما تؤمّن البلدتان عمقاً استراتيجياً فاعلاً، يوازي - أو يفوق - مفاعيل كسر الحصار عن مطار كويرس العسكري الذي تحوّل إلى قاعدة انطلاق نحو مدينة الباب في الريف الشرقي، وأيضاً باتجاه دير حافر، بوابة محافظة الرقة. كذلك، سيمنحُ فك الحصار أفضلية استراتيجية للجيش السوري تمكّنه من فصل ريف حلب الشمالي عن الريف الغربي المتصل بحلب المدينة، وتحييد إحدى «البوابات» التركية المفتوحة من أعزاز عن القرى الواقعة جنوب الخط المسيطر عليه حديثاً باتجاه نبل والزهراء. وأمام كلّ المعطيات السابقة، يبدو الاستنفار الكبير في صفوف المجموعات المسلّحة أمراً مفهوماً. وكما قامت تركيّا قبل عام بفتح أبوابها لالاف المقاتلين لتعويض خسارة اليوم الأول من محاولة فك الحصار (ونجحت في ذلك)، فمن المرجّح أنّها لن تتأخّر اليوم بالتدخلّ لكونها الخاسرة الأولى. لكن بظروف وحسابات أخرى تضعها في الحسبان، في ظلّ وجود المظلّة الجوية الروسية، واستفادة المحور المهاجم من أخطاء المحاولة الأولى. ومساء أمس، أكّدت مصادر معارضة لـ«الأخبار» أنّ «الاستسلام غير وارد في حسابات الفصائل، والإمدادات المُنتظرة بدأت بالوصول إلى نقاط الاشتباك». وفي موازاة ذلك، حاولت المجموعات المسلّحة تكثيف استهدافها لبلدتي نبّل والزهراء، في مسعى منها إلى تحقيق ضغطٍ عكسي. وهو أمرٌ تكرّر أيضاً في ريف إدلب، عبر استهداف بلدتي كفريا والفوعة المحاصرتين بدورهما، وسط مؤشرات عن التحضير لهجومٍ تشنّه «حركة أحرار الشام الإسلاميّة» وحلفاؤها هناك. وعلمت «الأخبار» أنّ اجتماعات مكثّفة لـ«غرف العمليّات العسكريّة المعارضة» قد عُقدت أمس، وضمّت بشكل أساسي قادةً عسكريين من «فصائل جيش الفتح» بغية بحث «وسائل استعادة التوازن إلى الجبهات». كما صدرَت توجيهات «شرعية» إلى كل «المجاهدين المرابطين على الثغور» بـ«ضرورة مراعاة الأولويات، والانتقال إلى الثغور الأشد سخونة والأقل عديداً، من دون انتظار أوامر من القادة العسكريين».




ذكرت صفحات إعلامية مقرّبة من «جبهة النصرة» أنّ المئات من المقاتلين الذين كانوا ضمن الرتل العسكري الذي جرى تصويره قبل أيام يجوب شوارع مدينة حلب، يشاركون في المعارك الدائرة في ريف حلب الشمالي. وفي تعليق على الخبر، أكّد مصدر مقرّب من التنظيم لـ«الأخبار» صحّة ما نُشر.
وكانت مواقع إعلامية معارضة قد ذكرت «وصول رتل ضخم يتبع لجبهة النصرة إلى محافظة حلب يوم الاثنين 26 كانون الثاني»، وأنه «تحضير لأي هجمة من النظام وإيران». وذكر حينها أحد الاعلاميين المعارضين أنّ «التحرك جاء للتصدي لهجوم النظام الذي يحضّر لمعركة ضخمة في حلب».