غزة | لم يصدق الشاب محمد قديح (28عاماً) أنه استطاع النجاة والوصول إلى المنزل بعد أن أطلقت سراحه قوات الاحتلال الإسرائيلي من معبر بيت حانون (إيريز) شمال قطاع غزة، ليسير على قدميه مع آخرين كانوا معتقلين، وذلك في ساعة متأخرة من الليل.
يروي قديح لـ«الأخبار» كيف عاشوا لحظات الموت بكل تفاصيلها أكثر من مرة؛ فهو نجا بعدما استهدفت دبابات الاحتلال منزلهم في خزاعة شرق مدينة خان يونس (جنوب) بقذيفتين، فاستشهد والده (60عاماً) أمامه وأصيبت عائلته. حاولوا الهرب لكن جنود الاحتلال اعتقلوه مع اثنين من أشقائه، فيما غادرت النساء والأطفال.
وأضاف: «قادتنا قوات الاحتلال مع نحو 50 آخرين من البلدة خلف السياج الفاصل، وجلسنا طوال الليل لأكثر من عشر ساعات في أرض خالية، ثم نقلونا إلى مكان لا نعرفه».
كانوا يسمعون أصوات القصف والاشتباكات المتبادلة، وشعروا بوصول نيران هذه الاشتباكات إلى مكانهم، لكنهم كانوا مكبّلي الأيدي والأرجل ومعصوبي الأعين، وأيضاً شبه عراة، بعد أن خلعت عنهم كل ملابسهم.

أطلق بعضهم
في وقت متأخر ليشتبه فيهم المقاومون



يقول الشاب إنهم جلسوا على الأرض، بعضهم إلى جانب بعض، ومنعوا من الحديث، «لكننا تمنينا الموت بدلاً من هذا الذل». وذكر أنهم نقلوا إلى مركز استجواب أُبلغوا فيه أنهم في عهدة الاستخبارات الإسرائيلية، وأن عليهم الإجابة عن أسئلة المحققين الذين انهالوا عليهم بالضرب الشديد قبل السؤال.
ويتابع: «سألونا عن عناصر المقاومة وأين يقيمون وكيف يتنقلون وهل نعرف أحداً منهم. كذلك ركّزوا على أماكن الأنفاق ومن حفرها ومن أين تطلق الصواريخ»، لافتاً إلى أنهم منعوا من النوم والطعام طوال أربعة أيام.
أسوأ ما عاشوه بعد التحقيق أنهم أجلوا إلى أرض مفتوحة وصاروا يركضون فيها بعدما أطلق الجنود عليهم النار بكثافة وتحت أقدامهم، مع تهديدهم بالإعدام في حال لم يعترفوا ويجيبوا عن الأسئلة السابقة.
«كانوا يقولون في ما بينهم باللغة العربية سنقتلهم»، يكمل قديح، «لكنهم بعد عدة ساعات أطلقوا سراحنا».
التفاصيل الأخيرة للنجاة من الموت كانت حينما أخرجوا من معبر بيت حانون شمالاً، ولا سيما أن الإفراج عنهم كان بعد العاشرة مساءً، فيما القصف مستمر، «ولم يطلقونا دفعة واحدة، بل فرداً فرداً، وسرنا على الأقدام مسافة كبيرة ونحن مرهقون حتى وصلنا بلدة بيت حانون»، يقول الشاب.
ويستوفي قصتهم: «كنا تحت موت محقق، إما من الطائرات بلا طيار أو القناصة أو حتى بالخطأ من رجال المقاومة الذين قد يظنون أننا جواسيس، خاصة أننا خرجنا من المعبر في وقت متأخر». لكن بعض المواطنين في تلك المنطقة شاهدوا أحد الأسرى مصاباً، فأبلغوا الصليب الأحمر ليحضر بمساندة الإسعاف ويستفهم عن خروجهم، ما جعل المنقذين ينتظرون باقي الأسرى، ثم نقلوهم إلى مستشفى كمال عدوان في بلدة بيت لاهيا القريبة.
خلال اعتقالهم، عرض جيش الاحتلال صوراً لعشرات المواطنين وهم معتقلون، مدّعياً أنهم من عناصر المقاومة أسرهم خلال توغلاته، وردّت المقاومة في عدة بيانات أن الصور التي نشرها الاحتلال لمعتقلين من خزاعة تعود إلى مدنيين عزّل من سكان المنطقة.
وتذكر مصادر من المفاوضات في القاهرة أن إسرائيل أبلغت الوفد الفلسطيني قبل أيام وجود أسرى وجثث لفلسطينيين لديها، وأنها تقترح صيغة تبادل بعودة هؤلاء مقابل الإفراج عن جثتين لجنديين أعلنت المقاومة أسر واحد منهما بصورة رسمية دون ذكر مصيره.
في السياق، وصف النائب في المجلس التشريعي ووزير الأسرى السابق، عيسى قراقع، أن نشر صور مذلة للأسرى «عمل لا إنساني ويهدف إلى إشاعة حالة من الإحباط، ما يدل على أن جيش الاحتلال لم يكن قادراً على تحقيق أي إنجاز».
وأكد لـ«الأخبار» أن الاحتلال حاول بهذه الصور «تكوين انطباعات لدى المجتمع الإسرائيلي بأنه يحقق إنجازات، وأن هذه الصور لمقاتلين من قلب المعركة، فيما المستهدفون من المدنيين فقط»، راصداً اعتقال نحو 300 مواطن من القطاع خلال الحرب، «وهي تحتجزهم في معسكر أقيم خارج حدود القطاع».
وذكر قراقع أن لديهم شهادات تفيد بأن الجيش الإسرائيلي أعدم أسرى بإطلاق النار عليهم مباشرة بعد اعتقالهم، «كما أعدم مواطنين كانوا يرفعون أياديهم خلال اجتياح مناطق مأهولة في غزة».