ما بعد 6 نيسان
أمهلت القوى المُوقّعة على «الاتفاق الإطاري»، قادة الجيش و«الدعم السريع» 5 أيام لإنهاء خلافاتهم بشأن إصلاح القطاع الأمني، تمهيداً للتوقيع على الاتفاق السياسي النهائي في 6 نيسان. لكن في الوقت نفسه، وفي ما يناقض تلك التوصية، اعتبر الناطق باسم القوى المُشار إليها، خالد عمر، أن القضية الخلافية الوحيدة (دمج "الدعم السريع" في القوات النظامية) «ذات طبيعة فنّية» بحتة. وهو ما كان ذهب إلى مِثله أيضاً نائب رئيس «مجلس السيادة»، محمد حمدان دقلو - «حميدتي» - (26 آذار)، بقوله إن «إصلاح القطاع الأمني والعسكري» ليس نشاطاً سياسياً، على رغم أن هذا المسار يمثّل أحد أعمدة الاتفاق السياسي وربّما أهمّها على الإطلاق. أمّا البرهان فيصبّ تركيزه على ضرورة توسيع قاعدة المُوقّعين على الاتّفاق النهائي، واضعاً رهانه، على ما يبدو، على أن «القوى الديموقراطية» لن تجتاز اختبار الانتخابات بسهولة. والواقع أن ذلك الرهان ليس صفرياً تماماً، في ضوء خفّة تصوّرات هذه القوى لتسوية الأزمة الاقتصادية في السودان، واختزالها إيّاها - بحسب المسوّدة الأوّلية - بولاية وزارة المالية على المال العام ومحاربة الفساد، من دون تفصيلات محدّدة.
يرجَّح توقيع الاتفاق السياسي النهائي في 6 نيسان المقبل بصياغاته الحالية المنقوصة
وأيّاً يكن، يبدو أن الاتفاق السياسي سيركّز على تكوين الحكومة كهدف في حدّ ذاته، فيما ستؤجَّل ملفّات «اتفاق جوبا» (لا سيما «مسار الشرق) تحت لافتة «إعادة تقييمه»، ما يعني أن الأوّل سيكون في نهاية المطاف بديلاً مبْتَسراً للثاني وليس تصحيحياً له. كما أن الإلحاح حصراً على مسألة دمج «الدعم السريع»، إنّما يعبّر عن رؤية مخادعة لبقيّة استحقاقات المرحلة الانتقالية، علماً أن المُدد الزمنية المطروحة أصلاً لإتمام هذه العملية، سواءً الخمس سنوات التي تحدّث عنها المبعوث الأممي، فولكر بيرتس، أو العشر سنوات التي اقترحها «حميدتي»، تشي بنيّة تفريغ هذا المسار برمّته من مضمونه.
دور «الرباعية»
لا يمكن فصل حالة الاضطراب الراهنة في المسار السياسي، والاتّهامات المتبادلة بين جميع أطرافه، عن التوجّهات الإقليمية والدولية الداعمة للتعجيل بالتسوية، وترك أبواب الأزمة مفتوحة مستقبلاً على جميع الاحتمالات، بل وترك السودان في حالة «فقدان توازن» مستدامة، تبدو أقرب إلى السيناريو الليبي، مع ضمان استمرار النهب الاقتصادي لمقدّرات البلد (لا سيما موارده الزراعية في الشرق واللوجيستيّة في البحر الأحمر)، وتوظيف موارده الأمنية في خدمة أجندات تلك الأطراف. ولعلّ ما يؤشّر إلى ذلك اعتبار «الرباعية» في بيان (26 آذار) أن الورشة المعنيّة بالملفّ الأمني والعسكري «مجرّد بداية لعملية، ولا يمكن توقّع توصّلها إلى خطط بعيدة الأجل»، وتشجيعها المشاركين على «التركيز على بناء إجماع أدنى ضروري حول رؤية بعيدة الأجل، والخطوات التالية لتكوين حكومة مدنية انتقالية جديدة»، على أن يقود هذه العملية مجلس الأمن والدفاع الوطني برئاسة رئيس الوزراء، وأن «يظلّ اتفاق جوبا للسلام نقطة رجوع أساسية». ويتّضح من هذا البيان أن الجدل الراهن حول آلية دمج «الدعم السريع» وجدوله الزمني، سيستمرّ إلى ما بعد توقيع الاتفاق النهائي، وأن ولاية رئيس الوزراء المرتقَب - بغضّ النظر عن اسمه - على الملفّ ستظلّ شكلية تماماً في ما سيتبقّى من المرحلة الانتقالية، سواءً عامين أم أكثر.
خلاصة
يرجَّح توقيع الاتفاق السياسي النهائي في 6 نيسان المقبل بصياغاته الحالية المنقوصة، والجنوح إلى تأجيل الملفّات الحسّاسة غير المكتملة، مِن مِثل توحيد القوّات المسلّحة، وتقييم «اتفاق جوبا»، وتكوين المجلس التشريعي، إلى مرحلة لاحقة ومن دون ضمانات ملموسة بالالتزام بإجراء انتخابات وطنية عامة وشاملة وغير إقصائية، بل ومع توقّعات بعودة سياسات الإقصاء عبر تفعيل «لجنة إزالة التمكين» (كأحد أبرز وعود الاتفاق السياسي)، وتصعيد الصدام مع قوى الإسلام السياسي سعياً إلى تحجيم حظوظها في أيّ انتخابات مقبلة حالَ الاضطرار لعقدها.