القاهرة | بعد ساعات من إصدار البنك المركزي المصري قراراً برفع الفائدة بواقع 2% في خلال اجتماعه الدوري نهاية الأسبوع الماضي، أصدر بنكا «الأهلي» و«مصر» الحكوميان شهادات بالجنيه المصري بفائدة 19% لأجل ثلاث سنوات، وأخرى تصل إلى 22% متناقصة للمدّة نفسها، وذلك في ظلّ سعي الحكومة لتحجيم عمليات الإنفاق، وامتصاص السيولة المالية الناتجة من انتهاء مدّة شهادات الـ18% التي طرحتها البنوك العام الماضي إثر التعويم الأوّل للجنيه. وتتيح الشهادات البنكية الجديدة، والتي تستهدف العملة المحلّية، فائدة مرتفعة نظرياً، لكنها تُفقد الأموال مزيداً من قيمتها الحقيقية، لا لوجود فارق بين معدّلات التضخّم والفائدة يصل إلى 15% على الأقلّ فحسب، بل وأيضاً لكونها تأتي مع قرب الاستعداد لتخفيض جديد في قيمة الجنيه لا يقلّ عن 20% في غضون الأسابيع المقبلة.وتحاول الحكومة الحصول على أموال المصريين هذه المرّة عبر الشهادات البنكية، بعد تزايد الإقبال على شراء الذهب بوتيرة غير مسبوقة في محاولة للحفاظ على المدّخرات من فقدان قيمتها، وفي ظلّ تراجع إقبال المواطنين على شراء الشقق الحكومية إثر المشكلات التي ظهرت في مشاريع الإسكان، ووصول أسعارها إلى مستويات لا تُناسب غالبية المصريين. إلّا أنه على العكس من المستثمرين بالدولار في السندات والطروحات الحكومية، والذين يحقّقون ملايين الدولارات بشكل منتظم مع التزام الحكومة بالوفاء بديونها في المواعيد المستحَقّة، فإن المواطنين الذين تسعى الحكومة للحصول على مدّخراتهم عبر ودائع بالعملة المحلّية، لا شيء يضمن لهم الحفاظ على قيمة أموالهم.
ارتفعت ديون مصر الخارجية إلى 163 مليار دولار بنهاية 2022


إذ حتى الآن، لا توجد رؤية واضحة لمعالجة أزمة انخفاض قيمة الجنيه، سوى تصريحات الرئيس عبد الفتاح السيسي، والتي وعد فيها بأن تكون هذه الأزمة من الماضي قريباً. لكنّ هذا الوعد الذي جاء في سياق حديثه عن مكافحة الإرهاب في سيناء والقضاء عليه بعد 10 سنوات من الحرب، لا يمكن التعويل عليه من الناحية الاقتصادية، لعدّة أسباب في مقدّمتها غياب خطّة التعامل مع السيناريوات القاتمة التي تُواجه الاقتصاد المصري. وتحاول السلطات، هذه المرّة، الترويج لعام 2027 باعتباره عام الرخاء، مع انتهاء تسديد الجزء الأكبر من الديون المبرمجة خلال السنوات الخمس القادمة، لكنّ الواقع يقول إن هناك ديوناً أخرى طويلة الأجل ستُضاف خلال الشهور المقبلة وفق الخطّة الحكومية، فضلاً عن أن النظام نفسه وعد مرّات ومرّات بأعوام أفضل قادمة، ولكن لم يتحقّق سوى مزيد من التدهور للعملة المحلّية وتفاقم للتضخّم ومعدّلات نموّ رقمية للحكومة لم يشعر بها المصريون.
وتزامَن قرار إصدار الشهادات الجديدة مع الإعلان عن ارتفاع ديون مصر الخارجية بنسبة 5.2% خلال الربع الأخير من العام الماضي فقط، لتصل إلى 162.9 مليار دولار بنهاية كانون الثاني الفائت، بزيادة قدرها 12% على أساس سنوي مقارنة بـ145.5 مليار دولار بنهاية 2021. على أن هذه الديون التي تمتلك دول الخليج نحو 25% من قيمتها، ليست الأخيرة، في ضوء عدم احتساب السندات الدولية ذات العائد المرتفع التي طرحتها الحكومة المصرية في الأسواق العالمية بفائدة تتجاوز 10%، إلى جانب العقود الآجلة التي سجّل فيها الدولار 40 جنيهاً بعد عام، في أدنى قيمة للعملة المصرية على الإطلاق، بعدما كان الدولار يسجّل 15.7 جنيهاً في آذار 2022. وبخلاف السندات الدولية التي يُتوقَّع أن تطرحها خلال العام الجاري بفائدة تفوق 10%، فإن مصادر تمويل عديدة تعوّل عليها الحكومة لمعالجة العجز المتزايد في الموازنة، في مقدّمتها الأموال التي ستوضع من قِبَل دول الخليج في الشركات الحكومية والتي وصلت المفاوضات بخصوصها إلى مرحلة متقدّمة، في حين ستكون السعودية في مقدّمة الدول الخليجية التي تضخّ الدولارات، بعد تجاوز الخلاف السياسي الذي عرقل عملية الضخّ المالي لأسابيع.