القاهرة | لم يكن مشهد صعود الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، لمقابلة الملك السعودي السابق، عبد الله، في الطائرة خلال وقوفها على أرض مطار القاهرة، وشكره إياه لمساعداته المالية والسياسية السخيّة بعد إطاحة حكم «الإخوان المسلمين»، سوى بداية لتقهقر المكانة والدور التاريخيَّين لمصر، واللذَين ظلّا يتقزّمان يوماً بعد آخر في عهده، حتى وصلا إلى درجة جعلت الرياض تفرض ما تريده على القاهرة بسهولة. وإذ يرتبط جزء من هذا التراجع بالتأزّم الاقتصادي الذي تسبّب به النظام أيضاً، فإنّ اللافت هو استعداد السيسي لفعل أيّ شيء إرضاءً للسعودية ووليّ عهدها، محمد بن سلمان، الذي دخل منذ عام 2016 حتى اليوم في أكثر من تصادم مع الرئيس المصري شخصياً، وخرج منها جميعاً منتصراً، بدايةً من تمسّكه بنقل تبعيّة جزيرتَي تيران وصنافير إلى المملكة، وصولاً إلى فرضه شروطه في مقابل الدعم الاقتصادي لمصر.في المرّات السابقة، كان ثمّة هامش للمناورة لدى السيسي ونظامه، عبر الاستعانة بوساطات «حكماء» من داخل السعودية وخارجها، لكن هذه المرّة لم يكن لتلك الوساطات، بما فيها تدخّل الإمارات بشخص رئيسها محمد بن زايد، صدى لدى ابن سلمان الذي عرقل اتفاقات اقتصادية بشكل مباشر في الأشهر الماضية، بعدما بلغه من انتقادات علنية تحدّث بها السيسي عنه.
على أن جزءاً من خلاف السيسي وابن سلمان ليس مرتبطاً بالبحث عن الزعامة وخياراتها فحسب، بل بالرغبة في السيطرة والاستحواذ؛ ففي فترات سابقة، استغلّ الأول السعودية للضغط على الجزائر لإنهاء جزء من توتّرات لا تزال مستمرّة مع نظام عبد المجيد تبون، لكن اليوم بات السيسي باحثاً عمّن يدافع عنه أمام السعودية، فلم يجد بعد أشهر بدّاً من زيارة للصلح لم تدم أكثر من ثلاث ساعات.
وصل السيسي إلى جدّة في جنح الليل، حيث التقى وليّ العهد السعودي الذي لم يحرص على استقباله بطريقة لائقة


وصل السيسي إلى جدة في جنح الليل، حيث التقى وليّ العهد السعودي الذي لم يحرص على استقباله بطريقة لائقة، ولم يصحبه إلى والده الملك سلمان، ليغادر بعدها عائداً إلى القاهرة من دون أن يحمل «الرز» الذي سبق أن تحدّث عنه في إشارة إلى أموال الخليج السخيّة، وإنّما متأبّطاً وعوداً بتسهيلات سريعة سيتمّ إنفاذها في الأسابيع المقبلة، ومساعَدة على تلبية شروط «صندوق النقد الدولي». ولعلّ الفارق بين زيارات أيّ رئيس مصري سابق للسعودية وزيارات السيسي، يتمثّل في ما يبديه الأخير من استعداد غير محدود للقبول بما يحاول السعوديون فرضه من قرارات وأوامر، آخرها ما هو مرتبط بالاستثمارات التي ستُضخّ من جانب المملكة في الاقتصاد المصري، عبر الاستحواذ على حصص أقليّة في أغلبيّة المشروعات الحكوميّة الناجحة. استحواذٌ سيمكّن السعودية من إحكام سيطرتها على الاقتصاد المصري، إلى جانب الإمارات، بعدما أصبح لدى دول الخليج ما يقرب من ثلث الديون المصرية. أما المعلَن عن الزيارة فهي أنها «أخوية»، وأن أجندتها ارتبطت في المقام الأول بسوريا، التي تعتزم السعودية دعوتها إلى القمّة العربية المقبلة، في وقت يستعدّ فيه السيسي لاستقبال الرئيس السوري، بشار الأسد، في أوّل زيارة للأخير إلى مصر وثالث زيارة لدولة عربية قبل انعقاد القمّة المقرّرة في أيار المقبل.