الخرطوم | وقفت ورقة الإصلاحات في المؤسسة العسكرية السودانية حجر عثرة أمام توقيع الاتفاق السياسي بصورته النهائية في التاريخ الذي حُدِّد له وفق الجداول الزمنية، في مطلع نيسان الجاري. وبعد اجتماعات مكثّفة ضمّت رئيس «مجلس السيادة» عبد الفتاح البرهان، ونائبه محمد حمدان دقلو (حميدتي)، وممثّلي القوى السياسية والمدنية الموقِّعة على «الاتفاق الإطاري»، إضافة إلى «الآلية الثلاثية» (بعثة الأمم المتحدة «يونتاميس»، و«الاتحاد الأفريقي» و«إيقاد»)، جرى التوصّل إلى تحديد يوم السادس من الجاري، تاريخاً لتوقيع الاتفاق السياسي النهائي.وناقش المجتمعون آخر القضايا المتبقّية التي لم يتمّ التوافق في شأنها، إذ كادت ورقة الإصلاح في المؤسّستَين العسكرية والأمنية أن تطيح مجمل الاتفاق، غير أن الناطق باسم العملية السياسية، خالد عمر، أكد أن اجتماع القصر الجمهوري استعرض، أول من أمس، المسائل الفنية المرتبطة بمراحل الإصلاح والدمج والتحديث في القطاع الأمني والعسكري، موضحاً أن حسْم المدّة الزمنية لتلك القضايا، تمّ تحديده في ورقة إصلاح هذا القطاع التي وقّعت عليها جميع الأطراف في الـ15 من آذار الماضي. وبدأت إرهاصات الخلافات حول هذه الورقة منذ الجلسة الختامية للورشة، حيث غاب عنها البرهان، وهو أيضاً قائد الجيش، وكبار قادة المؤسّسة الذين كانوا من بين المشاركين فيها، كما غاب عنها أيضاً قائد قوات «الدعم السريع»، حميدتي، وهو ما اعتُبر مؤشراً إلى أن الخلافات بدأت تَظهر في تفاصيل البحث، لا سيما بعدما أكد جميع المشاركين، خلال الجلسة الافتتاحية، موافقته والتزامه بالعمليّة السياسية والنصوص الواردة في «الاتفاق الإطاري»، والخاصة بدمج قوات «الدعم السريع». وفي هذا الإطار، كشف مصدر مطّلع، لـ«الأخبار»، أن «كبار قادة الجيش يسعون إلى إفشال ورشة الإصلاح الأمني والعسكري، لا سيما وأن معظمهم إسلاميون ينتمون إلى النظام السابق»، ويعلمون أنه، في حال التزام الجيش بالإصلاح، «سيصبحون خارج المؤسّسة العسكرية»، وفق المصدر. وكان لافتاً أيضاً خروج تصريحات منسوبة إلى مصادر في الجيش، لبعض وسائل الإعلام، تتحدّث عن رفْض القوّات المسلّحة «التوصيات المنقوصة» في ورشة الإصلاح العسكري، وهو ما اضطرّ القيادة العامّة للجيش لتأكيد التزامها، عبر بيان رسمي، بالعملية السياسية، وأنها تنتظر اكتمال عمل اللجان الفنية في التفاصيل المتعلّقة بعمليّات الدمج، وصولاً إلى جيش وطني يحمي التحوّل الديموقراطي. ووفق مصدر في الجيش تحدّث إلى «الأخبار»، فإن «عمليّة الدمج تُعتبر من العمليّات الفنيّة الدقيقة، ولكنها في الوقت ذاته بسيطة، لأنها تحتكم إلى قانون القوات المسلّحة الذي فصّل الخطوات التي يجب اتّخاذها في حال تمّ دمج أيّ قوات في الجيش».
تركّزت الخلافات بين الجيش و«الدعم السريع» حول المدى الذي ستستغرقه فترة الدمج


أمّا بالنسبة إلى الأصول والمقارّ التي سبق لقائد الجيش أن منحها لقوّات «الدعم السريع»، أوضح المصدر أنها «ستؤول إلى الجيش متى اكتملت عملية الدمج»، لكنه لم يستبعد، مع هذا، مطالبة قوات حميدتي بتعويضات مالية عن المعدّات والمركبات والسلاح المملوكة لها. وأضاف المصدر أن «التفاصيل معقّدة، وتحتاج إلى فترة زمنية ليست بالبسيطة»، مشيراً إلى أن «الخلافات التي ظهرت بين القوّات المسلّحة والدعم السريع حول عملية الدمج، ترجع إلى غياب الثقة بين الطرَفين».
ووفق مصادر مطّلعة، فإن الخلافات بينهما، كانت حول المدى الزمني الذي ستستغرقه فترة الدمج، إذ طالبت «الدعم السريع» فترة 10 سنوات من تاريخ التوقيع النهائي لإكمال عملية الدمج، فيما تمسّك الجيش بفترة عامين فقط لإكمال تلك العمليّة الفنيّة. وأفادت المصادر بأن الورقة التي قدّمتها «الدعم السريع» في ورشة الإصلاح الأمني والعسكري، شدّدت على «تجريم الانقلابات العسكرية»، وعلى «نأي المؤسّسة العسكرية بنفسها عن التدخُّل في السياسة»، كما تضمّنت مطالب اعتبرتها ضرورية، بإصلاح المؤسّسة، وعلى رأسها «تطهير» الجيش و«الدعم السريع» من منسوبي النظام السابق. كما شدّدت الورقة على أهميّة مراجعة مناهج الكلية الحربية، بناءً على الإصلاح القانوني وتحسين شروط الخدمة.
ومع اقتراب تاريخ التوقيع على الاتفاق النهائي بين القوى المدنية والعسكر، كثّفت القوى المعارضة للاتفاق من حركتها المناهضة له. وفي هذا السياق، أعلنت «الإدارة الأهلية» في الخرطوم، إغلاق كامل العاصمة يوم الأربعاء المقبل، رفضاً لـ«الاتفاق الإطاري». وعلى الرغم من اقتراب تسليم الجيش السلطة للمدنيين، إلّا أن الشارع العام يبدو غير مبالٍ بالتطوّرات الحاصلة نتيجة فقدانه الثقة في قائد الجيش الذي سبق له أن انقلب على السلطة المدنية، ويَرَون أن انقلابه المقبل سيكون رهن اكتمال عمليّة دمج «الدعم السريع»، وتذويبها في القوّات المسلّحة.