بعد سنوات من المعاناة، فجّرت الأسيرة المحرَّرة، أحلام التميمي، صرختها، بعدما ضاقت بها معظم السبل. صرخةٌ تزامنت مع استمرار الخطوات النضالية التصعيدية التي بدأتْها الحركة الأسيرة في سجون الاحتلال رفضاً للإجراءات العقابية التي تفرضها الحكومة الإسرائيلية المتطرّفة للأسبوع الرابع على التوالي. وصباح يوم الخميس الماضي، بثّت التميمي عدّة رسائل عبر وسائل التواصل الاجتماعي، ووسائل الإعلام، طالبت فيها السلطات الأردنية بالسماح لزوجها (فلسطينيّ الجنسية)، نزار التميمي، بالعودة إلى الأردن، بعد مضيّ ثلاث سنوات من إبعادهما بعضهما عن بعض. وجاء في رسالتها التي بثّتها وكالة «شهاب» الفلسطينية: «أنا أتعرّض لمظلَمة في الأراضي الأردنية... التي أعتبرها بلدي الأوّل والثاني، فهي توأم فلسطين، والقلب النابض لفلسطين، وهذه المظلَمة تؤلمني في كل مرّة، وقد زلزلت كيان استقراري العائلي». ومضت تقول: «منذ عام 2020، قرّرت السلطات الأردنية إبعاد زوجي من الأردن، من دون معرفة السبب، وقد وصلتنا أسباب شفوية تتعلّق بأنه (شخص غير مرغوب فيه) في الأراضي الأردنية».وأحلام أسيرة فلسطينية محرّرة، تحمل جواز سفر أردنياً؛ ولدت وترعرعت في مدينة الزرقاء، شرق الأردن، وانتقلت، في عام 1998، إلى الضفة الغربية للتخصّص في الصحافة والإعلام في جامعة بيرزيت، حيث أقامت في بلدتها، النبي صالح، بالقرب من رام الله. وكانت مشاركتها النضالية الأولى، في عام 1999، في هبّة شعبية مساندة لحَراك الأسرى في سجون الاحتلال، حيث شاركت في التظاهرات والمواجهات الشعبية على خطوط التماس. وخلال دراستها في بيرزيت، تفجّرت انتفاضة الأقصى، فانضمّت إلى الجناح العسكري لـ«حماس»، حيث تولّت مهامّ متعلّقة برصْد مواقع العمليات الفدائية، وإيصال الاستشهاديين إليها. ومن أبرز تلك العمليات، تلك التي قام بها الشهيد عز الدين المصري (9/8/2001) في قلْب القدس المحتلّة، والتي اعتُقلت أحلام على إثرها، وحكم عليها بـ 16 مؤبّداً، وهو أعلى حُكم لأسيرة فلسطينية في تاريخ القضيّة الفلسطينيّة. وبعد خروجها من سجون الاحتلال في صفقة «وفاء الأحرار»، في عام 2011، تزوّجت بابن عمّها، نزار التميمي، وأقامت في العاصمة الأردنية، عمّان، في العام التالي. ونزار أسير محرّر، شارك في فعاليات الانتفاضة الأولى ضمن المجموعات الضاربة في حركة «فتح»، وتمّ اعتقاله في عام 1993، بـ«تهمة» اختطاف مستوطن صهيوني بالقرب من مستوطنة «بيت إيل» في رام الله.
وفي العملية التي نفّذها الشهيد عز الدين المصري، بعدما أوصلته أحلام بسيارتها إلى مكان تنفيذ العملية، وسط القدس المحتلّة، قُتل عشرات الصهاينة، من بينهم اثنان من حَمَلة جواز السفر الأميركي. وفي عام 2013، قام ذوو القتيلَين برفْع قضيّة ضدّ أحلام التميمي في محكمة في واشنطن، فطالب الادّعاء باعتقالها أو إعدامها، ليصار إلى إصدار تعميم من السلطات الأميركية إلى «الإنتربول» الدولي. وفي عام 2016، ولدى محاولة «الإنتربول» تنفيذ قرار الاعتقال، رفض القضاء الأردني، وبقرار من أعلى سلطة قضائيّة في البلاد، محكمة التمييز، تسليم أحلام التميمي إلى السلطات الأميركية.
تمّ إحراز تقدُّم مهمّ في مسار قضيّة أحلام التميمي


ومنذ ذلك التاريخ، يضغط أعضاء في الكونغرس الأميركي جنباً إلى جنب أهالي القتيلَين، بالتعاون مع اللوبي الصهيوني، من أجل تسليم أحلام إلى السلطات الأميركية. وقد تُرجمت تلك الضغوط بمطالبات تقدّمت بها وزارة العدل الأميركية إلى السلطات الأردنية لتسليم التميمي، خلال فترتَي الرئيس السابق دونالد ترامب، والحالي جو بايدن، وهو ما تزامَن مع إدراج اسمها في قائمة مطلوبي «مكتب التحقيقات الفدرالي» (إف بي آي). وفي هذا الإطار، يعلّق الأسير الأردني المحرّر والناشط، مازن مصلة، بالقول: «تفاجأنا بعد عدّة سنوات من إقامتهما في الأردن بتحرُّك حثيث من اللوبي الصهيوني في الولايات المتحدة خلال فترة حُكم ترامب للتحريض ضدّ أحلام، والادعاء بأنّ هناك مواطنين أميركيين قتلا في العملية البطولية التي شاركت فيها». ويضيف ملصة: «أحلام قامت بعمليات ضدّ الاحتلال الصهيوني على أرض فلسطين المحتلّة، ولم تذهب إلى أميركا لاستهداف مواطنين أميركيين. للأسف، كان هناك تطوّر سلبي منذ أكثر من سنتَين، عندما قامت الحكومة الأردنية بالضغط على زوج أحلام، نزار، لمغادرة الأراضي الأردنية، فأُبعد الزوجان بعضهما عن بعض، وتشتّت شمْل هذه العائلة».
وبفعل الجهود المتواصلة من جانب فريق الدفاع القانوني عن أحلام، تمّ إحراز تقدُّم مهمّ في مسار قضيّتها. ففي تاريخ 8/3/2021، أعلن «الإنتربول» أن التميمي لم تَعُد مطلوبة لديه. وجاء ذلك بعد تقديم طلبَين من قِبَل المحامي خالد الشولي، وزميله الفرنسي جيل دوفير. وهكذا، استعادت أحلام التميمي الحقّ بالتنقّل والسفر، ولكن ذلك لم يوقف الملاحقة الأميركية في حقّها.
ونقل ملصة رسالة أحلام، قائلاً: «نحن نرى أن أحلام التميمي، هي مواطنة أردنية، وأسيرة محرّرة قضت 10 سنوات في سجون الاحتلال الصهيوني، أحلام مثال للمرأة المناضلة المجاهدة، وهي أيضاً مواطنة أردنية لها حقوق على بلدها، الأردن، قامت بواجبها في النضال والجهاد والدفاع عن أولى القبلتَين وثالث الحرمَين». ويضيف: «أحلام كأيّ امرأة، تزوّجت وأقامت في الأردن، وزوجها بالمناسبة أيضاً أسير محرّر أمضى 24 عاماً في سجون الاحتلال الصهيوني، وهو المناضل والمجاهد نزار التميمي، مواطن فلسطيني أقام في الأردن مع زوجته أحلام... رسالتنا اليوم إلى الحكومة الأردنية، نحن نرى أن من حقّ أحلام لمّ شملها مع زوجها، وأيضاً من واجبنا جميعاً، وواجب الدولة الأردنية، وواجب الشعب الأردني، أن يكرّموا أحلام، وأن يوفّروا لها سبيل الراحة، لا أن تقوم الحكومة بما يجبر أحلام على الخروج من البلد، وهنا ستتعرّض للخطر الشديد المتمثّل في اعتقالها، وملاحقتها من قِبَل أجهزة الأمن الأميركية». وجاء في رسالته: «في الأردن، أعلى سلطة قضائية في البلاد، وهي محكمة التمييز، قضت بعدم قانونية تسليم أحلام التميمي إلى السلطات الأميركية، وبالتالي أحلام مواطنة أردنية، وهي مناضلة، ويجب على الحكومة الأردنية أن تتّخذ إجراءً حقيقيّاً لإعادة نزار إلى الأردن وجمعه مع زوجته، ويجب علينا أن نقوم بواجبنا جميعاً بتكريم هؤلاء المناضلين والشرفاء». ويتابع ملصة: «أحلام طوال الفترة الماضية، وبعد تحرّرها من سجون الاحتلال في صفقة وفاء الأحرار، لم تقم بمخالفة القوانين الأردنية، ولا بأيّ تصرّف «خارج عن النص»، وكذلك الحال مع زوجها نزار خلال فترة وجوده في الأردن... واليوم، نحن نوجّه نداءً وصيحة بأن تُردّ الأمور إلى نصابها، ويعود نزار إلى الأردن، حتى يُلمّ شمل العائلة من جديد». ويختم ملصة رسالته، قائلاً: «عندما نتغنّى بدعم المقاومة، وبالوصاية الهاشمية على الأقصى والمقدّسات، فإنّنا نرى أن ما يحدث مع أحلام اليوم يتناقض مع ما يقتضيه هذا الأمر من الدفاع عن المسجد الأقصى، والحرص على مقاومة حلول التسوية السلمية المبنيّة على فكرة الوطن البديل، وفي ظلّ وجود حكومة الاحتلال المتطرّفة التي تهدّد أمن الأردن كما تعتدي على شعبنا الفلسطيني».