أبلغت دمشق، نظيراتها في المحادثات الرباعية (السورية - التركية - الإيرانية - الروسية)، تَمهّلها في عقْد اجتماع ديبلوماسي على مستوى نوّاب وزراء الخارجية، بحسب ما ذكرتْه صحيفة «الوطن» السورية. وأرجعت الصحيفة ذلك التمهّل إلى عدم توافُر الظروف الطبيعية الملائمة لهكذا لقاء، وتحديداً لناحية استمرار وجود قوّات تركية بشكل غير شرعي على الأراضي السورية، وعدم تقديم أنقرة جدولاً زمنياً واضحاً لسحب هذه القوات، ومُواصلتها تقديم الدعم للفصائل الموجودة في الشمال السوري. لكن هذا التحفّظ سرعان ما قابله، بعد ساعات، إعلان تركيا أن اللقاء سيتمّ على مدار يومَين (غداً الأربعاء وبعد غدٍ الخميس) في العاصمة الروسية موسكو، بحضور الممثّل الخاص للرئيس الروسي إلى الشرق الأوسط وأفريقيا ميخائيل بوغدانوف، ومستشار الشؤون السياسية لوزير الخارجية الإيراني علي أصغر حجي، ونائب وزير الخارجية السوري أيمن سوسان، ونائب وزير الخارجية التركي براق أقتشابار.ويأتي هذا الإعلان التركي في أعقاب التوصّل إلى تفاهمات مبدئية، أتاحت الجلوس إلى طاولة الحوار، تمهيداً للخروج بنتائج مُرضية لجميع الأطراف. وعلى رغم أن هذه التفاهمات واجهت عقبات عديدة، ومرّت بفترة تجميد بفعل الزلزال المدمّر الذي ضرب سوريا وتركيا في السادس من شهر شباط الماضي، إلّا أن روسيا الراعية لمسار التطبيع السوري - التركي، وإيران التي أجرى وزير خارجيتها حسين أمير عبد اللهيان قبل أيام زيارة مكّوكية بين البلدين، عادتا إلى تحريك ذلك الملفّ ودفْعه قُدُماً. وخلال المؤتمر الصحافي المشترك لعبد اللهيان ونظيره السوري فيصل المقداد، لم يُصدر المسؤولان أيّ تصريحات مباشرة تتعلّق بالتقارب بين أنقرة ودمشق، غير أن عبد اللهيان طالب، في معرض حديثه، بخروج جميع القوّات الأجنبية من سوريا، في ما بدا تناغُماً مع المطالب السورية الواضحة في شأن الانسحاب التركي والأميركي، والتي دأبت دمشق على تكرارها قبل اللقاءات الأمنية مع أنقرة وفي أثنائها. إذ شدّد المسؤولون الأمنيّون السوريون، في خلال تلك اللقاءات، على ضرورة وجود أرضيّة واضحة للحوار، تقوم على مبادئ القانون الدولي والسيادة، وعلى رأسها سحْب القوّات التركية، ووقْف دعْم الفصائل، وحلّ مشكلة المياه في ظلّ التلاعب التركي المستمر بكمّيات المياه المتدفّقة عبر نهر الفرات.
طلب وزير الدفاع التركي من دمشق أن تتفهّم موقف بلاده حيال «وحدات حماية الشعب»


وفي إطار الشدّ والجذب المستمرَّين حول ملفّ التواجد الأجنبي، وفي ردّه غير المباشر على رفْض دمشق، المؤقّت، إجراء لقاء رباعي من دون وجود جدول زمني واضح لانسحاب القوّات التركي، خرج وزير الدفاع التركي، خلوصي آكار، بتصريحات هدفت إلى ترطيب الأجواء، مؤكداً، في لقاء مع وكالة «الأناضول» الرسمية التركية، الأحد، أن بلاده «ليست محتلّة للأراضي السورية، وتواجدها هناك يهدف إلى مكافحة الإرهاب وحماية حدودها ووحدة أراضيها»، مضيفاً أن أنقرة «تنتظر من دمشق تفهّم موقفنا حيال وحدات حماية الشعب». مع ذلك، تتوجّس دمشق من محاولة حكومة الرئيس التركي، رجب طيب إردوغان، استثمار ملفّ التطبيع معها في الانتخابات الرئاسية الحاسمة التي يخوضها في الرابع عشر من أيار المقبل، من دون الوفاء بالتعهّدات الشفهية التي تقضي بإخراج جنوده من سوريا وحلحلة بقيّة الملفّات.
وعلى هذه الخلفية، تسعى طهران وموسكو إلى تعزيز الثقة بين الجانبَين، عبر عقْد مزيد من اللقاءات الفنّية، ولقاء على مستوى نوّاب وزراء الخارجية، بهدف الخروج بتفاهم خطّي مكتوب يرسم جدولاً زمنياً لانسحاب القوّات التركية، ويحدّد الخطوات التي يجب اتّباعها في هذا السياق. ويعني ما تَقدّم، في المحصّلة، أن التسوية تتطلّب مزيداً من الوقت، في ظلّ التشابك الكبير في الملفّات التي تتمّ مناقشتها، والتعقيدات التي ولّدتها السلوكيّات التركية طيلة سنوات الحرب وعلى رأسها فتْح الحدود لفصائل «جهادية» تتمركز حالياً قرب حدود تركيا، بالإضافة إلى تعاون الأخيرة مع الولايات المتحدة التي استثمرت الموقف لخلق كانتون كردي لا تعرف أنقرة في الوقت الحالي كيفية التخلّص منه.