يشير النسق التصاعدي لعمليات المقاومة، وتَكرُّر إعلان الذراع العسكرية لحركة "حماس" - "كتائب القسام"، تبنّي عدد منها، وآخرها عملية شارع ديزنغوف في تل أبيب، والتي نفّذها الشهيد معتز الخواجا، إلى أن "القسام" نجح أخيراً في إعادة تكوين بنية تحتية غير تقليدية في الضفة الغربية، بعد نجاحات جزئية خلال السنوات الماضية، انحصرت في تنفيذ هجوم واحد قبل أن يُصار إلى تفكيك الخلية، باعتقال أو اغتيال عناصرها، لا سيما أن "القسام" وُضعت عقِب أحداث الانقسام الفلسطيني عام 2007، جنباً إلى جنب الخلايا التنظيمية، السياسية والنقابية والخيرية، لـ"حماس"، في مهداف العمليات الأمنية المكثَّفة لأجهزة الأمن الفلسطينية.باكورة عمليات "عصر الضفة الجديد" جاءت على يد الشهيد علاء أبو دهيم، الذي تسلّل إلى مدرسة "هراف" الدينية في حيّ "كريات موشيه" في مدينة القدس المحتلّة، في مطلع آذار 2008، وقَتل 8 مستوطنين وأصاب نحو 30 آخرين. بدا الطابع الغالب على الفعل العسكري "القسّامي"، آنذاك، هو تشكيل خلايا غير مترابطة، لا قيادة مركزية لها، ولا هيكلية نظامية تَحكمها، تقوم بتنفيذ عملية أو اثنتَين، قبل أن تعود إلى حالة الكمون. من بين هذه الخلايا أيضاً، خليّة الشهيدَين مأمون النتشة ونشأت الكرمي، والتي نجحت في تنفيذ ثلاث هجمات أدّت إلى مقتل 4 مستوطنين، قبل أن تخوض اشتباكاً في منطقة جبل جوهر في الخليل أدّى إلى استشهاد النتشة والكرمي. ظَلّ هذا النسق، هو شكل العمل العسكري "القسامي" خلال تلك السنوات، حيث لم تَغِب الذراع العسكرية لـ"حماس" عن ساحة الضفة الغربية؛ إذ نجحت، في عام 2012، في تنفيذ عملية "الباص 142" في تل أبيب، على يد خليّة مكوَّنة من الأسير "القسامي" أحمد صالح أحمد موسى (قائد الخلية)، والشهيد محمد رباح عاصي، وهما من بلدة بيت لقيا قرب رام الله، والأسير "القسّامي" محمد عبد الغفار مفارجة من سكّان مدينة الطيبة. وفي شهر أيار 2014، نجح زياد عوض، وهو أحد مُحرَّري صفقة "وفاء الأحرار"، في قتْل ضابط مخابرات إسرائيلي كبير هو باروخ مزراحي، قبل أن تتمكّن قوّات الاحتلال من اعتقاله.
إعلان القسام المتكرّر عن عمليّتَين في غضون أسبوعَين، يمثّل تدشيناً لمرحلة جديدة


خلال الأعوام الـ15 الماضية، نجحت "القسام"، بالأسلوب نفسه، في تنفيذ نحو 15 عملية، تنوّعت ما بين التفجير وإطلاق النار، ثمّ عملية الخطف الشهيرة عام 2014، والتي نفّذها الشهيدان مروان القواسمي وعامر أبو عيشة، واندلعت على إثرها الحرب الإسرائيلية على غزة. ويشير هجوم حاجز حوارة الذي نفّذه الشهيد عبد الفتاح خروشة، وأخيراً عملية "ديزنغوف" ليلة أول أمس، إلى تمكُّن "القسام"، أخيراً، من إقامة بنية تحتية وخطوط تواصل، يمكن أن تَعمل بالنسق ذاته الذي عملت به بشكل متفرّق خلال الـ15 سنة الفائتة، لكن على نحو أكثر كثافة.
وفي هذا السياق، تؤكّد مصادر في المقاومة الفلسطينية أنه، منذ عام 2007، وعلى رغم القيود الهائلة التي فرضتْها الأجهزة الأمنية التابعة للسلطة، والتي قلّصت هامش عمل وتحرُّك عناصر "حماس" كافة، إلى جانب العمل المُركَّز لجهازَي "الموساد والشاباك"، فإن المحاولات لإعادة التأسيس لم تتوقّف. وعلى طريق ذلك، اعتقلت أجهزة الأمن الإسرائيلية العشرات من الخلايا قبل نضوجها وتَحرّكها إلى العمل. غير أن الأشهر الأخيرة أثبتت أن "القسام" نجحت في التحرّك فعلياً، وفق المصادر نفسها، التي تضيف في حديث إلى "الأخبار": "يوم أمس، أعلن القسام تبنّي الشهيد معتز الخواجا بشكل رسمي، ومعتز هو أسير مُحرَّر اعتُقل أربع سنوات في سجون الاحتلال، ودخل تل أبيب من دون تصريح عمل، فيما يشير تمكّنه من الدخول، وتأمين السلاح في الداخل، إلى أن ثمّة عملاً منظَّماً، أكبر من حدود الفردية، خصوصاً أن المنفّذ يسكن بلدة نعلين في رام الله". وتتابع: "مَن يسكن في الضفة، يعلم قدْر التعقيد، والتكلفة العالية التي يتطلّبها تسلُّل ونقْل مقاوم من مدينة في الضفة إلى مدن العمق، خصوصاً في ظرف أمني معقَّد كالذي تعيشه دولة الاحتلال"، معتبرةً أن "إعلان القسّام المتكرّر عن عمليّتَين في غضون أسبوعَين، يمثّل تدشيناً لمرحلة جديدة، عنوانها العمل الأفقي، المسانِد لعمل خلايا المقاومة التي تعمل بشكل هرمي شبه منظَّم في المناطق شبه الآمنة، مثل جنين ونابلس".