القاهرة | على رغم كثرة الأصوات التي حذّرت من خطورة الإسراع في تنفيذ بعض المشروعات الضخمة، ومن بينها العاصمة الإدارية الجديدة على أطراف القاهرة، إلّا أن السلطات المصرية تابعت مضيّها في هذا المسار من دون أيّ مراجعة، وهو ما بدأت تداعياته تَظهر سريعاً. إذ إن الحكومة التي أنفقت مليارات الجنيهات على المقرّات الجديدة لوزرائها ومكاتبهم الفخمة، هي نفسها التي بدأت العمل بشكل جزئي منذ مطلع الشهر الجاري في تلك المقرّات من دون استكمال تأثيثها بسبب الأزمة المالية، في وقت تحوّلت فيه إلى "حكومة شِحاذة" للعملة الأجنبية الصعبة، لا سيما الدولار الأميركي. ويترافق ذلك مع حالة تخبُّط أدّت إلى تجميد أو إفشال العديد من الصفقات والاتّفاقيات التي جرى التفاوض بشأنها خاصة مع الصناديق الخليجية، التي أجرت من جانبها دراسات موسّعة على الشركات المصرية المملوكة للدولة، من أجل تحديد الرابحة منها، والتي ترغب في الاستثمار بها.وتشتكي صناديق الاستثمار السعودية والإماراتية والقطرية، التي يُنتظر أن تضخّ مليارات الدولارات في السوق المصرية، من عدم القدرة على تحديد قِيَم عادلة للشراء، ليس فقط بسبب عدم استقرار سعر الصرف وتقويم الجنيه بأعلى من قيمته في الوقت الحالي، ولكن أيضاً للعقبات التي توضع أمام المستثمرين في كلّ مشروع يحاولون الدخول فيه. وفي آخر فصول هذه الخلافات، جمّدت السعودية عملية شراء "المصرف المتحد"، لأسباب عدّة من بينها عدم التوافق على سعر الصرف الذي سيتمّ على أساسه إجراء التقييم، ومن ثمّ البيع، خاصة في ظلّ وجود تقديرات بانخفاض قيمة الجنيه مجدّداً بنحو 20% خلال الأيام المقبلة.
خُفّضت الوديعة الدولارية التي تَمنح الجنسية من مليون إلى 500 ألف دولار فقط


على أن بعض بنوك الاستثمار الدولية ترى أن انخفاض الجنيه إلى 37 و38 في العقود الآجلة، إنّما هو بمثابة حالة مؤقّتة في ظلّ تباطؤ الخطوات الاقتصادية، وعدم تنفيذ أيّ طرح من برنامج الطروحات الحكومية، والذي يُفترض أن يوفّر نحو 10 مليارات دولار على الأقلّ سنوياً لمدّة 4 سنوات. ويعني ذلك أنه في حال تنفيذ الطروحات التي أعلنت عنها الحكومة، فإن العُملة المحلّية ستتحسّن تدريجياً، ويمكن أن تنخفض إلى 28 جنيهاً أمام الدولار، بدلاً من السعر الرسمي الحالي المحدَّد بـ31 في البنوك، بينما يُتداول في السوق السوداء عند معدّل 35.
وعلى طريق استدراج الاستثمارات المطلوبة بالدولار لإنعاش الاقتصاد، أعلنت الحكومة تعديل ضوابط الحصول على الجنسية المصرية. إذ خفّضت قيمة العقار الذي تُمنح الجنسية في مقابل شرائه إلى 300 ألف دولار بدلاً من 500 ألف. كما خفّضت الوديعة الدولارية من مليون إلى 500 ألف دولار فقط لمدّة 3 سنوات من دون فائدة، فيما تَمثّل التحوّل الأكبر في السماح باستخدام دولارات موجودة داخل مصر وليست محوَّلة من الخارج، في خطوة تأمل من خلالها السلطات الحصول على نحو 300 مليون دولار على الأقلّ، خاصة مع توفير إمكانية السداد بالتقسيط لمدّة عام. وتُضاف إلى تلك الخطوة خطوات أخرى، من بينها القانون الذي أقرّته الحكومة قبل أسابيع، والذي يتيح للمصريين المغتربين إدخال سيّاراتهم من دون جمارك، شريطة وضْع وديعة دولارية تعادل قيمة الرسوم الجمركية لمدّة 5 سنوات من دون فائدة، على أن تُردّ بالدولار بسعر الصرف الرسمي بعد انتهاء المدّة.
كذلك، تصبّ الحكومة، في سعيها إلى استقطاب مزيد من الدولارات، جانباً من جهودها في مجال السياحة، التي تشهد انتعاشة كبيرة حالياً، إلى درجة أن الفنادق أصبحت مكتملة العدد في الأسابيع الماضية، بمختلف درجاتها، في وقت تُسجَّل فيه عودة كثيفة لرحلات الشارتر. وفرضت السلطات رسوماً بسيطة على الغرف الفندقية قبل أيام، في وقت تشتغل فيه على تحصيل رسوم إضافية بالدولار بدلاً من الجنيه، كما في حالتَي تذاكر استخدام القطارات للأجانب وتذاكر دخول بعض الأماكن السياحية.