في ذروة التظاهرات التي اجتاحت شوارع إسرائيل في «يوم مناهضة الديكتاتورية»، وبعد إغلاق أكثر الطرق حيويّةً ومنْع رئيس وزراء العدو من السفر إلى روما في موعد رحلته المحدَّد، وفي وقت حظي فيه وزير الدفاع الأميركي، لويد أوستن، باستقبال «مُهين» في لقاء لم يُكتب له أن يتمّ خارج قاعات مطار «بن غوريون»؛ تمكّن الفدائي، المعتز بالله الخواجا، ابن بلدة نعلين في الضفة، من سحْق المستحيل، والوصول إلى قلْب تل أبيب، حيث حوّل حياة "الأشكنازيين" الذين ينازعون اليوم على «مساحاتهم الآمنة» ووجْه دولتهم «الديموقراطي»، إلى كابوس. في شارع «ديزينغوف» حطّ الخواجا، قادماً من وراء الجدار. جاء ابن الثلاثة والعشرين عاماً منتقماً ثائراً، يشقّ طريقه من بين الوجوه الغاضبة المحزونة في جبع وجنين ونابلس. وفي عزّ الاستنفار الأمني بسبب التظاهرات التي يشهدها الكيان ضدّ «الانقلاب القضائي» وجد لنفسه منفذاً؛ فـ«مرور جَمل مِن ثقبِ إِبرةٍ أَيسرُ مِن أَن يَدخُل غَنِيٌّ إِلَى مَلكُوتِ اللهِ». كان الخواجا هذا الجمل الذي نَفذ إلى الملكوت، فيما فضّل «الأغنياء» الاعتداء على جنازة الشهيد عبد الفتاح خروشة في نابلس أوّل من أمس، إرضاءً لـ"آلهتهم".
قُبيل التاسعة مساءً، وبينما كان المستوطِنون الثلاثة، أور آشكر، وروتيم منسينو، ومياكل أوسدون، في طريقهم من «ديزينغوف» إلى «بن غوريون» لحضور حفل زفاف صديق لهم، باغتَهم الخواجا، فأردى اثنين منهم جرحى في حال الخطر. أمّا الثالث، أوسدون، وهو صاحب شركة "ستارت أب بوند" التي اشترتْها شركة «ريف» الأميركية بأكثر من 18 مليون دولار، فأصيب بجروح طفيفة في كتفه، فيما ظلّ الخواجا يلاحقه، وفق ما روى الأوّل في مقابلة مع «القناة 12»، مضيفاً أن الشهيد «أطلق النار عليه بينما كان هارباً، فأخطأ إصابته، حتى تمكّن من الهرب وطلب الإسعاف، قُبيل وصول قوّات الأمن». وفيما لا يزال آشكر مسرّراً في وحدة العناية المُكثّفة في مستشفى «إيخيلوف» في حالة حرجة، ينسحب الوضع نفسه على منسينو الذي بدأ عمله كـ«دي جاي» منذ 12 عاماً، حيث دأب على إحياء الحفلات والأعراس الإسرائيلية. وبحسب مدير قسم الجراحة في «إيخيلوف»، الطبيب أور غورن، فإنه «حتى اللحظة، نقدّر أن حالة آشكر خطيرة للغاية، ومع ذلك، نحن نبذل الجهود من أجل أن تصبح حالته مستقرّة خلال الأيام القريبة، فيما لا نزال نحاول إيقاظ منسينو من أجل تقدير حجم الضرر الذي لحق به جرّاء إصابته».
أمّا الشرطي ديفيد فريدمان، الذي كان في عطلة، وتواجَد صدفة لدى وقوع الهجوم، فقال: «سمعتُ صوت إطلاق رصاص، ورأيتُ أشخاصاً يتدافعون. سارعتُ في الوصول إلى مصدر الصوت، ورأيتُ المصابَين ملقيين على الأرض جرّاء إطلاق النار عليهما». وتابع : «قال لي أحدهم إن المنفّذ دخل من أحد المفارق... وصلتُ وكان هناك عناصر شرطة، فيما المنفّذ لا يزال يطلق النار باتجاههم بشكل متقطّع. انتظرنا خروجه (الخواجا) من المفرق وأطلقنا النار عليه أنا وشرطيّ آخر».
وتعقيباً على العملية، كتب وزير "الأمن القومي" الإسرائيلي، إيتمار بن غفير، على صفحته في موقع «تويتر»: «أصلّي لشفاء جرحى العملية الصعبة في تل أبيب. وأُبارك مُقاتل حرس الحدود الذي نجح في قتل المخرّب وإنقاذ حياة كثيرين». ولم تمضِ لحظات قليلة على تغريدته حتى انهالت عليه الردود الغاضبة؛ إذ حمّله الإنفلونسر الإسرائيلي، ريغيف غور، المسؤولية قائلاً إن «كلّ قطرة دم سقطت تلطّخت يداك بها الآن. أنت أزعر ومافيَوي وتتحمّل المسؤولية عن أحد أكثر الأمور حساسية: حياة الإنسان». أمّا عضو "الكنيست" من حزب «هناك مستقبل»، ميراف بن آري، فصحّحت معلومات وزير "الأمن القومي"، إذ كتبت أن «الشرطي الذي أطلق النار هو مقاتل في "وحدة غدعونيم"، وهي إحدى الوحدات النخبوية في الشرطة، يُفضَّل أن تَعرف عن ذلك». من جهته، كتب غلعاد سيغيف: «الوزير لتخريب الأمن القومي، والذي يقيل قائد شرطة تل أبيب قبل نصف ساعة من وقوع العملية، من الجيّد أنك لم تُقِل كابتن طائرة نتنياهو قبيل ساعة من الهبوط في روما»، في إشارة إلى إقالة بن غفير والمفتّش العام، يعكوف كوبي شبتاي، قائد شرطة تل أبيب، بادّعاء «التساهل مع المتظاهرين ضدّ خطّة الإصلاحات القضائية».