رام الله | تحبس المنطقة أنفاسها ترقّباً لشهر رمضان في الأراضي الفلسطينية المحتلّة، حيث تتكاثر مؤشّرات انفجار الأوضاع الميدانية، في ظلّ تبنّي حكومة بنيامين نتنياهو توجّهات إرهابية فاشية، غرضها إنهاء القضية الفلسطينية. وعلى رغم الجهود التي بذلتها الولايات المتحدة مباشرة، أو عبر الأردن ومصر، في الضغط على السلطة الفلسطينية وإسرائيل من أجل استعادة الهدوء، والدفع نحو إنهاء مجموعات المقاومة المسلّحة في نابلس وجنين، تبدو الأسابيع الثلاثة المتبقّية قبل شهر رمضان، أقرب إلى مرحلة استعداد للحظة الانفجار التي تَظهر قادمة لا محالة.وممّا يعزّز التقدير المذكور، تصاعد حالة الغليان في غير ملفّ، على رأسها ملفّ الأسرى في سجون الاحتلال، والذين يواصلون عصيانهم المفتوح رفضاً للإجراءات التي فرضها عليهم وزير «الأمن القومي» الإسرائيلي، إيتمار بن غفير، والتي تهدّد مكتسبات انتزعوها بنضالات طويلة. ومن المنتظَر، إذا لم يطرأ أيّ تغيّر إيجابي على المشهد، أن يُتوَّج هذا العصيان بإضراب واسع ومفتوح عن الطعام في أول أيام شهر رمضان. كذلك، تتّجه الأنظار إلى مدينة القدس، باعتبارها عامل التزخيم الأهمّ والأكثر قوّة لدى الفلسطينيين، والذي يمكن أن يحدّد مسار الأوضاع ومآلها، ليس في فلسطين فقط وإنّما في الإقليم أيضاً. وممّا يدعم هذه الحيثية، استمرار الاعتداءات الإسرائيلية في المدينة، والتي كان آخرها صباح أمس، حين هدمت جرّافات الاحتلال 3 منازل في حيّ واد الجوز وشرّدت سكانها. والظاهر أن بن غفير يريد إيصال المشهد في القدس إلى ذروته في أيّام صوم المسلمين، عبر إيعازه بالاستمرار في عمليات الهدم، على غير عادة حكومات الاحتلال في السنوات الماضية، والتي كانت تتوقّف عن هدم المنازل بالمناسبة، خشية انفلات الأمور.
وبحسب مصادر عبرية، فإن سلطة التنفيذ والجباية التابعة للاحتلال تعتزم إخلاء 6 عائلات فلسطينية من منازلها في القدس الشرقية خلال شهر آذار الحالي، بزعم أن هذه المنازل والعقارات تملكها جمعيات استيطانية وعائلات من المستوطنين في سلوان وحيّ الشيخ جراح. وتُعدّ عملية الإخلاء في هذا التوقيت، بمثابة وصفة لتصعيد أكبر، كونها تأتي تزامناً مع شهر رمضان و«عيد الفصح» العبري، ما يعني أنها ستترافق مع توسيع دائرة اقتحامات المستوطنين للمسجد الأقصى، وتشديد القيود على تنقّل الفلسطينيين في القدس القديمة وفي منطقة باب العمود، علماً أن بعض المنازل المنوي إخلاؤها، واقعةٌ في حيّ الشيخ جراح الذي مثّل الاعتداء عليه أحد أسباب اندلاع «هبّة الكرامة» ومعركة «سيف القدس» في أيار 2021.
سلطة التنفيذ والجباية التابعة للاحتلال تعتزم إخلاء 6 عائلات فلسطينية من منازلها في القدس الشرقية خلال شهر آذار الحالي


وتستعدّ شرطة الاحتلال لتنفيذ تعليمات بن غفير، على رغم التقييمات القائلة إن هدم البيوت يهدّد باشتعال الوضع في القدس، وامتداد الاشتعال إلى الضفة الغربية، المتوتّرة أصلاً. وبحسب قناة «كان» العبرية، فإن بن غفير يتجاهل تحذيرات قادة الأجهزة الأمنية الإسرائيلية من خطوات من شأنها أن تؤدّي إلى غليان في صفوف الفلسطينيين، وإن رئيس الحكومة أوفد سكرتيره العسكري إلى وزير «الأمن القومي» من أجل إقناعه بإيقاف الحملة ضدّ المقدسيين، وذلك عقب محادثات عقدها بنيامين نتنياهو مع قادة أجهزة الأمن، وبينهم رئيس أركان الجيش هيرتسي هليفي، والمفتش العام للشرطة يعقوب شبتاي، ورئيس «الشاباك» رونين بار، وسكرتير نتنياهو العسكري آفي غيل، وجرى التوصّل في ختامها إلى ضرورة وقف الإجراءات العدائية بحقّ المقدسيين. أيضاً، حذّر ضباط كبار في شرطة الاحتلال، بن غفير، من أن «العلاقات العامة» التي يمارسها في موازاة الحملات البوليسية، تفعل فعلها في إذكاء التوتّر. ووفقاً لقناة «كان»، فإن خطاب الوزير الفاشي في وسائل الإعلام في أعقاب عملية الدهس في مستوطنة «راموت» في القدس المحتلّة الشهر الماضي، أثار مخاوف من تصعيد أمني.
في هذا الوقت، انتشر تسريب صوتي لبن غفير، يجاهر فيه أثناء مباحثاته مع قيادات شرطة الاحتلال، بنيّته إغلاق المسجد الأقصى لمدّة 10 أيام في شهر رمضان المقبل، فيما نبّه المفتّش العام للشرطة، يعقوب شبتاي، إلى أن جهازه ليس مستعدّاً بصورة جيّدة لمواجهة تصعيد أمني في الفترة المقبلة. وقال شبتاي، خلال اجتماع لـ«لجنة الأمن القومي» في «الكنيست»، إنه «ينقصنا 500 شرطي في القدس عشية رمضان». وأضاف إن «رمضان القريب هو شهر معقّد بسبب تصالُب الأعياد»، في إشارة إلى «عيد الفصح» اليهودي الذي يحلّ بالتزامن مع أيام صوم المسلمين، ويستغلّه المستوطنون لتنظيم مسيرات استفزازية داخل القدس المحتلّة، وخصوصاً في البلدة القديمة. ويقترن التصعيد المرتقَب في رمضان، مع تصاعد الاحتجاجات داخل كيان العدو، والتي باتت تستنزف قوات الاحتلال الشرطية، وتنذر بإمكانية اندلاع حرب أهلية، وخاصة في ظلّ حملة التحريض التي يشنّها بن غفير وبتسلئيل سموتريتش ضدّ مئات الجنود والضباط الذين يرفضون الخدمة العسكرية، والتحذيرات المتزايدة من احتمال وقوع عمليات اغتيال في الشارع.
وعلى رغم خروج نحو 250 ألف مستوطن في تظاهرات داخل الكيان يوم السبت، تستعدّ المعارضة لتنظيم مسيرات أضخم مساء الخميس، بينما تُجمع تصريحات «أصدقاء إسرائيل» في الخارج وأقطاب المعارضة على أن دولة الاحتلال تتّجه نحو كارثة، وأن الحكومة الحالية تدمّر «كلّ شيء جيّد وقوي» في الكيان.
وعلى هذه الخلفية، تُواصل الولايات المتحدة مساعيها لكبح جماح حكومة نتنياهو. فبعد زيارات مكّوكية لمسؤولين سياسيين وأمنيين بدأها أنتوني بلينكن إلى إسرائيل، يأتي هذه المرّة دور وزير الدفاع الأميركي، لويد أوستن، الذي يزور دولة الاحتلال الخميس المقبل، وعلى أجندته بحسب المسؤولين الأميركيين، حثّ الحكومة الإسرائيلية على الحدّ من التوترات في الضفة الغربية، والتباحث في تعزيز العلاقات البَينية، إلى جانب ملفّات دولية وإقليمية أخرى؛ على رأسها إيران. ويأتي ذلك بعد أيام من صدور موقف نادر عن الإدارة الأميركية، دانت فيه تصريحات وزير المالية، سموتريتش، والتي دعا فيها إلى إبادة بلدة حوارة.
في هذا الإطار، كشف الخبير الأمني في موقع صحيفة «يديعوت أحرونوت»، رون بن يشاي، أن «لدى الإدارة الأميركية مخاوف بخصوص خطوات يمكن أن تقوم بها الحكومة الإسرائيلية في الساحتَين الفلسطينية والإيرانية»، ما دفعها إلى إرسال أهمّ شخصيتَين في وزارة الدفاع، وهما رئيس هيئة الأركان الجنرال مارك ميلي، والوزير أوستن، وذلك لإجراء محادثات توضيح وتنسيق مع الجهاز الأمني الإسرائيلي وكبار الشخصيات السياسية في الكيان. ونقل بن يشاي عن مسؤول أمني إسرائيلي كبير تأكيده أن «لدى البيت الأبيض والبنتاغون قلقاً من أن تقوم الحكومة الإسرائيلية بمفاجأة الولايات المتحدة وتوريطها في حرب في الشرق الأوسط، في الوقت الذي تستثمر فيه الولايات المتحدة وحلفاؤها جلّ مواردهم في أوكرانيا والحرب الباردة مع الصين».