غزة | لم تمنع الأحداث الميدانية المشتعلة في الضفة الغربية المحتلّة، وحالة الترقّب التي تعيشها فصائل المقاومة في غزة، حركة «الجهاد الإسلامي» من عقْد انتخاباتها الداخلية، التي اختارت بموجبها أعضاء جُدُداً لمكتبها السياسي، في ثاني دورة انتخابية للحركة التي تَجاوز عمرها الـ36 عاماً. زياد النخالة، الأمين العام الذي قاد «الجهاد» خلَفاً للدكتور الراحل رمضان عبد الله شلح في تشرين الأول 2018، هو مَن أسّس لهذا النهج، بعد أن كانت الانتخابات والشورى مقتصرة خلال السنوات الماضية على نطاق ضيّق، حيث يَنتخب الصفُّ القيادي الأوّل مَن يمثّله في قيادة الملفّات، ولا تتمّ عملية التدوير الإداري وفق أسس وقوانين ونُظم. منذ تولّيه منصبه، يعمل الرجل بموازاة «المشاغلة» المفتوحة مع الاحتلال، والتي أبْقت الحركة في دائرة الاستهداف الميداني بشكل دائم، على تطوير المنظومة الداخلية لـ«الجهاد» التي خرجت من معركة ميدانية خاضتْها وحيدة في آب 2022، وفقدت فيها اثنين من أكبر قادة جهازها العسكري في القطاع. وعليه، التزمت الحركة أمام أعضائها وقواعدها بإجراء الانتخابات في موعدها المقرَّر سلفاً. ما الذي يفعله النخالة؟ يحقّ القول إن الأمين العام الحالي لـ«الجهاد» لم يضخّ الدماء الجديدة في أوردتها على صعيد التمايز في نهج المقاومة مع الاحتلال فحسب، إنّما أعاد الاعتبار إلى القواعد، واحترم حقّها في اختيار مَن يمثّلها في أروقة القرار السياسي. «ما يحدث هو انتخابات حقيقية، وليس مسرحية شكلية»، يقول الكادر الحركي أبو عبيدة، الذي التقتْه «الأخبار» عشيّة يوم الانتخابات التي عُقدت السبت الماضي، بنسبة مشاركة وصلت إلى 95% من الذين يحقّ لهم الاقتراع. يتابع الشابّ الثلاثيني: «رشّح تسعة من قيادات الحركة أنفسهم لعضويّة المكتب السياسي عن القطاع، فيما حصّة غزة 5 أعضاء فقط. خلال ساعات الفرز، رأينا الصندوق يرفع أسماءً ويُخرج أخرى من السباق، كان الفارق بين بعض الأعضاء المتنافسين بضعة عشرات من الأصوات فقط». جدير بالذكر أن «الجهاد» أعلنت فوز زيادة النخالة بمنصب الأمين العام لولاية ثانية تمتدّ إلى أربع سنوات، وبعضوية المكتب السياسي، كلّ من: أكرم محمد العجوري، يوسف محمد الحساينة، نافذ رشاد عزام، محمد الهندي، علي محمد أبو شاهين، وليد علي القططي، أحمد المدلل، محمد حسن حميد وإحسان سليمان عطايا.
من المقرّر، خلال المدّة المقبلة، استحداث مجلس شورى


إزاء ذلك، يرى حسن لافي، وهو كاتب ومحلّل سياسي مقرَّب من «الجهاد»، أن «الانتخابات الداخلية تؤكّد أن ممارسة المقاومة في حركة الجهاد ليست عملاً مرتبطاً بأشخاص، بل بفكرة متجذّرة وعميقة داخل قواعد الحركة». ويَعتبر لافي، في حديثه إلى «الأخبار»، «(أنّنا) أمام حدث مربك حتى للاحتلال، لأن الانتخابات التي تُصدّر قيادات جديدة، تَصنع تمايزاً بين الفكرة المستمرّة والأشخاص المتجدّدين، وتلغي فعالية فلسفة التصفية الجسدية»، مضيفاً أن «الانتخابات هي صمّام أمان لنهج الجهاد، حيث يَفرض قانونها أن يكون المرشّح مرتبطاً بالنهج الفكري للحركة، كما يتضمّن آلية تتيح تشخيص أوضاع المترشّحين لهذا المنصب، فضلاً عن أن توكيل مهمّة تصدير قيادات المكتب السياسي للقاعدة، يشكّل استفتاء كلّياً مستمرّاً على صوابيّة الطريق والنهج الذي تسلكه الجهاد».
من جهته، يلفت الكاتب والمحلّل السياسي، ثابت العمور، إلى واحدة من أهمّ دلالات الانتخابات، وهي أن «الجهاد حركة مقاومة إسلامية ترفض المشاركة في العملية السياسية على قاعدة أوسلو، ولم تشارك في أيّ انتخابات رئاسية أو تشريعية، لكنها لا ترفض الانتخابات من حيث المبدأ، وقد قدّمت خلال السنوات الأربع الماضية نموذجاً مميّزاً في عقْد انتخابات شفّافة ونزيهة، لاقت نتائجها قبولاً من المرشّحين والناخبين، من دون تسجيل أيّ تجاوزات أو طعون». ويضيف العمور، في حديثه إلى «الأخبار»، أن «هذه الانتخابات تقرّ مبدأ مهمّاً جدّاً، بأنه لا يمكن الاستفراد بالقرار، سواءً حرباً كان أو تهدئة، وأن هناك احتراماً للقاعدة التنظيمية، وهي التي تقرّر مَن يفوز ومَن يَخرج، وهذا يعني أن هناك مبدأ تقييم للتجربة وللأداء وللمرحلة بكلّ تفاصيلها، وأن القاعدة شريكة في صناعة واتّخاذ القرار».
وكانت «الجهاد الإسلامي» قد نفّذت، خلال السنوات الأربع الماضية، انتخابات داخلية عامّة لمختلف أُطرها الحركية على صعيد الأذرع التنظيمية والمحلّيات والأقاليم، فيما كشف مصدر مطّلع في الحركة أنه من المقرّر، خلال المدّة المقبلة، استحداث مجلس شورى، ستُعقد لأجل اختيار أعضائه انتخابات جديدة.