في ظلّ تعالي الأصوات الرافضة في صفوف قوات الاحتياط في سلاح الجوّ الإسرائيلي، لأداء الخدمة العسكرية، وتنامي التحذيرات من «تفشّي عدوى الرفض»، وإمكانية انتقالها إلى القوات النظامية، وجّه قادة سابقون في سلاح الجوّ، رسالة إلى رئيس الحكومة يطالبونه فيها بوقْف «الانقلاب القضائي». وتوجّه هؤلاء، إلى بنيامين نتنياهو، بالقول: «نتابع بقلق عميق الإجراءات الجارية في إسرائيل وفي سلاح الجوّ. وانطلاقاً من معرفتنا العميقة بالثقل المركزيّ والخاصّ الذي يشكّله سلاح الجوّ على الأمن القومي، وهو ما تدركه جيّداً، فإنّنا قلقون من عواقب هذه الإجراءات والخطر الجسيم والملموس الذي تمثّله على الأمن القومي لدولة إسرائيل». وجاء في الرسالة التي وقّعها قادة سابقون، في مقدّمهم عميكام نوركين، وأمير إيشل، بالإضافة إلى كلّ من عيدو نحشتان، إليعازر شاكيدي، داني حالوتس، إيتان بن إلياهو، هرتسل بودنغر، دان تولكوفسكي، دافيد عفري، أبيهو بن نون، وغيرهم، أن «جوهر قوّة السلاح يتمثّل في التماسك الخاصّ لقواته وعناصره النظاميين والاحتياطيين»، وأن «عناصر سلاح الجوّ جميعهم مدفوعون بإحساسهم العميق بالواجب»، وهم يؤكّدون «دعمهم لقائد سلاح الجوّ وعناصره في هذا الوقت العصيب».ووُجِّهت الرسالة بعد يوم واحد من إعلان 37 طياراً من أصل 40 يخدمون في قوات الاحتياط، عدم امتثالهم للمشاركة في تدريبات مقرّرة يوم غد الأربعاء، وأنهم، بدلاً من ذلك، سينضمّون إلى الاحتجاج ضدّ خطّة «تقويض السلطة القضائية» في التظاهرات المقرّرة أمام مقرّات الوزارات المختلفة. وصدر الإعلان في بيان مشترك وقّعه الطيارون من «سرب المطارق» المتخصّص في مهاجمة أهداف بعيدة، وفيه أبلغوا قائد السرب، المؤلَّف من طائرات حربيّة من طراز «أف - 15 آي»، والذي يتّخذ مقرّاً قاعدة «حتسريم» الجويّة في بئر السبع، بالقرار. ودفع ذلك مسؤولين في الجيش إلى الإعراب عن خشيتهم من أن تتّسع ظاهرة رفض الامتثال للخدمة، خصوصاً في سلاح الجوّ الذي ينفذّ 50% من طيّاري الاحتياط فيه الهجمات الجويّة الإسرائيلية، طبقاً لِما نقلته «القناة 12»، لافتةً إلى أن قيادة الجيش قرّرت تجنُّب اتّخاذ إجراءات تأديبية بحقّ الرافضين، حتى لا يتطوّر الأمر إلى صدام من شأنه أن يوسّع الظاهرة.
رسالة قادة سلاح الجوّ تقاطعت مع تحذير وجّهه رئيس أركان الهيئة العامة للجيش، هرتسي هليفي، ووزير الأمن، يوآف غالانت، من ظاهرة رفْض تأدية الخدمة العسكرية في صفوف قوات الاحتياط، وإمكانية تسرّبها إلى داخل القوات النظامية، إذا ما اتّسعت الاحتجاجات ضدّ «الانقلاب القضائي» الذي تقوده حكومة نتنياهو، لا سيما وأن إحجام جنود احتياط في مختلف التشكيلات (القوات الجوية، الوحدات الخاصة والميدانية والاستخباراتية) عن المثول للخدمة، بدأ يتفشّى. لكن هليفي ذهب أبعد من ذلك، محذّراً نتنياهو، خلال محادثة بينهما، من أن تصاعد الاحتجاج على «الانقلاب القضائي» قد «يضرّ في الكفاءة العملياتيّة للجيش الإسرائيلي». أمّا وزير الأمن، فقال إن «أيّ دعوة لرفض الخدمة تضرّ بعمل الجيش وقدرته على تنفيذ مهامّه». وأضاف غالانت أن «الوضع اليوم يتطلّب منّا التحدّث والحوار، وبسرعة. أتوجّه من هنا إلى كلّ جندي وكلّ ضابط: الجيش هو أداة الدفاع عن دولة إسرائيل، وجنود الاحتياط هم جزء من مصدر قوّته الكبيرة»، مطالباً بـ«الإبقاء على الجيش خالياً من النقاش والخلاف السياسي». وفي الإطار نفسه، نقل موقع «واللا» العبري عن مصدر مطّلع، قوله إن «هليفي وغيره من المسؤولين الكبار في الجيش قلقون للغاية من أن الاحتجاجات التي يشارك فيها جنود الاحتياط ضدّ خطّة الحكومة لإضعاف النظام القضائي، قد تبدأ في التأثير في الجوانب العملياتيّة لأنشطة الجيش»، مضيفاً أن «هناك مخاوف حقيقية من أنه إذا استمرّ الرفض، فلن يكون هناك أحد ليشارك في مهامّ ضمن المعركة بين حربَين». وكان قائد سلاح الجوّ، تومر بار، عبّر، في رسالة إلى عناصر الاحتياط، عن دعمه وتفهّمه لموقفهم، عقب التهديدات التي أطلقوها في شأن رفضهم الامتثال للخدمة، في ظلّ مخاوف من تداعيات خطّة إضعاف القضاء على «فرص توفير الحماية لهم أمام المحاكم الدولية». وفي ذلك، يرى المحلّل العسكري لصحيفة «هآرتس»، عاموس هرئيل، «انعكاساً لخطورة الوضع في السلاح (الجوّ)، على إثر اشتداد الاحتجاجات ضدّ خطّة الحكومة»، معتبراً أن «بار هو الضابط الأكثر قلقاً في الجيش في هذه الأيام، وهو أشبه بشخص أمام فوهة بركان. فهو يعي عمق المشاعر في صفوف الكثيرين من عناصره حيال خطّة الحكومة، ويعلم أيّ تأثير ضارّ قد يكون لقرار قسم منهم التوقّف عن التطوّع لخدمة الاحتياط إذا ما مرّت التشريعات الحكومية».
ظاهرة إحجام جنود الاحتياط في مختلف التشكيلات عن المثول للخدمة، بدأت تتّسع


في هذا الوقت، أعلن الرئيس الإسرائيلي، يتسحاق هرتسوغ، أنه طرأ «تقدُّم في المحادثات الجارية من وراء الكواليس بين الأطراف الإسرائيليين للتوصّل إلى اتفاق في شأن الإصلاحات القضائية». وفي مؤتمر دعا إليه رؤساء السلطات المحلّية، في مقرّه، قال إن «دولة إسرائيل تعيش إحدى أشدّ اللحظات حرجاً»، مضيفاً: «للوهلة الأولى، يبدو ذلك متناقضاً؛ إذ لا صواريخ (تسقط على إسرائيل)، لا ملاجئ، لا صافرات إنذار، ولا ضوء أحمر... غير أنّنا نعرف في دواخلنا أن ما يحصل هو خطر قومي حقيقي. لم نرَ أو نسمع عن سلوكيات مثل هذه في مجتمعات أخرى. أعتقد أنكم توافقونني الرأي بأن الجيش عليه البقاء خارج الصراع بشكل حازم ومطلق»، ذلك أن «الجيش هو جيش الجميع، يحافظ على أمننا، وهو ضرورة لنا، أبناؤنا وبناتنا يخدمون فيه نظاميّاً وفي الاحتياط، ونأمل في أن يظلّ الجيش في منأى عمّا يحدث». وتابع: «نعرف أيضاً انعكاسات الأزمة على القطاع الاقتصادي، لن يكون ذلك في الربع القريب وإنّما في الأرباع (السنوية) المقبلة. وعندئذٍ؟ سنشهد تقليصاً في الموازنات وارتفاعاً في معدّلات البطالة والفقر، وشركات تسحب استثماراتها... لكلّ هذا تأثيرات بالغة نجهل كيفيّة التعامل معها». وزاد أن «أكبر مصدر للقلق بالنسبة إليّ هو أنّنا نصل إلى عامنا الـ75 في يوم استقلالنا - وهو المناسبة الأكثر فرحاً في إسرائيل - مع الكثير من الآلام، خصوصاً إذا كنّا سنصل ونحن منقسمون ومتشظّون... ومع تظاهرات لا تتوقّف وربّما مع تشويش وشلّ المرافق». وأوضح أنه «خلال الأسابيع الماضية عمِلتُ بكلّ جهد من أجل المفاوضات بخصوص الأزمة القضائية، والمشهد اليوم هو أنّنا قريبون أكثر من أيّ وقت مضى من التفاهم في شأن الخطّة القضائية، وهناك موافقة بين الأطراف للنقاش»، آملاً في أن يدرك زعماء المعسكَرين «أهميّة اللحظة التي تعيشها إسرائيل حالياً»، وأن «يعرفوا كيفيّة الحفاظ على الدولة ومواطنيها بالدرجة الأولى»، مطالباً رؤساء السلطات المحلّية بـ«الدعوة والتأثير من أجل التوصّل إلى حلّ، وحتى قلْب الطاولة حين يستلزم الأمر ذلك».
لكن إعلان هيرتسوغ لم يَرُق للرؤساء الذين طالبوه بالكشف عمّا يجري خلف الكواليس، والإعلان عن التفاهمات وهوية المشاركين في «المفاوضات». وفي هذا السياق، نقلت صحيفة «معاريف» عن رئيس بلدية بئر السبع، روفيك دنيلوفيتش، قوله، خلال المؤتمر الطارئ، إن «هناك أمراً سيئاً يجري في المجتمع الإسرائيلي، لنا كلّنا... فالمجتمع متخوّف ومذهول، والمواطنون لا يفهمون ماهية فلسفة الإصلاح القضائي... ولا يعرفون حتى اللحظة لماذا لا يتحدّثون (معسكر نتنياهو ومعارضوه) في ما بينهم». أمّا رئيس بلدية «هود هشارون»، أمير كوخافي، فقال إنه «لا أحد يخرج للتظاهر بسبب تشكيل لجنة لتعيين القضاة. مئات الآلاف من الإسرائيليين الذين نزلوا إلى الشوارع لإسماع أصواتهم يفعلون ذلك بسبب الشعور القاسي بأن الحكومة تَستخدم سلطتها بطريقة عنيفة ومفترسة لتغيير أنماط حياتهم في كلّ مكان. المواطنون يخشون على طبيعة حياتهم - الطيارون والطواقم الطبية والنساء والعاملون في مجال التكنولوجيا الفائقة... يجب أن نتفهّم ألمهم وخوفهم ونتصرّف حتى لا تتغيّر طبيعة الحكم».