طرابلس | بعد لقاءات ومناقشات استمرّت على مدى أسابيع، نزع المبعوث الأممي إلى ليبيا، عبد الله باتيلي، في رسالته الأخيرة إلى مجلس الأمن، الشرعية عن جميع السياسيين الليبيين الموجودين في السلطة، في خطوة قد تجعله قادراً على تقديم حلٍّ سياسي يمكن أن تُجرى على أساسه الانتخابات، من دون الرجوع إلى أيٍّ من المسؤولين الحاليين، تحت طائلة إقرار عقوبات عليهم في حال رفْضهم الوصْفة المفروضة من جانب الأمم المتحدة، باعتبارهم «معرقلين للمسار السياسي». ويحاول باتيلي الحصول على دعْم دولي من الأطراف الفاعلين في الأزمة الليبية، للتخلّص من الإشكاليات التي يواجهها في ظلّ استمرار الوضع الحالي، علماً أن جميع أولئك الأطراف يشدّدون على ضرورة إجراء الانتخابات خلال العام الحالي، وهو ما يدعم موقف المبعوث الأممي الذي لجأ إلى الاتفاق السياسي الموقّع في عام 2015، لطرح مبادرته.ولم يخفِ باتيلي شكوكه إزاء إرادة الفاعلين السياسيين ورغبتهم في إجراء الانتخابات، في ظلّ وضْعهم مزيداً من العراقيل أمام إتمامها، ولجوئهم بين الحين والآخر إلى تكرار الحديث عن الترتيبات، من دون التوصّل إلى اتّفاق نهائي. وكان مجلس النواب الليبي قد وافق، الشهر الماضي، على تعديل «الإعلان الدستوري» الذي لم يعالج النقاط الخلافية الأساسية، سواء المرتبطة بخريطة الطريق، أو بشروط الترشّح للانتخابات. وتعكس مهاجمة باتيلي المسؤولين الليبيين، على رغم لقاءاته المتكرّرة معهم، يأس المبعوث الأممي من إمكانية قبولهم الحلول العديدة التي اقترحها عليهم، وهو ما دفعه إلى التفكير في حلّ يتحايل فيه على الوضع القانوني الذي يحاول المسؤولون من خلاله تبرير بقائهم في السلطة، وسط استمرار عدم التوافق بين مجلسَي النواب و«الأعلى للدولة» على قاعدة دستوريّة للانتخابات المعطَّلة. ولجأ باتيلي إلى الاتفاق السياسي الليبي الموقّع في عام 2015، والذي يُعدّ أساس الوضع السياسي الحالي، لطرْح مبادرة لإجراء الانتخابات الرئاسية والتشريعية خلال العام الجاري، وهي مبادرة ستتبلور صيغتها في الأيام المقبلة، علماً أن لجنة تسيير رفيعة المستوى سيَجري العمل عليها من أجل السير قُدُماً، بالاتفاق مع الأطراف الدوليين المعنيّين.
يراهن المبعوث الأممي على نجاحه في حلّ الأزمة الليبية من خلال مبادرته الجديدة


ويُنظر إلى المبادرة الجديدة بترقّب شديد، وخصوصاً أن المبعوث الأممي معنيّ بتمثيل مشائخ القبائل، والمرأة، ومختلف الفئات المهمّشة، في ظلّ تأكيده أن التمثيل لن يكون محصوراً بالسلطة السياسية الحالية. وإذ يرى البعض في الطرح الأخير مساراً أمميّاً موازياً بعد فشل «ملتقى الحوار السياسي» الذي قادته ستيفاني وليامز، المبعوثة الأمميّة السابقة، يبدو باتيلي مراهناً على نجاحه في حلحلة الأزمة، سواء من الداخل بإشراك عناصر جديدة تمثّل مختلف التيّارات، أو من الخارج عبر «لجنة التسيير». على أن خطوات المبعوث الأممي المتسارعة قد لا يسعفها الوقت من أجل إجراء الانتخابات في 2023، وفق ما يطمح إليه، ومع هذا فهو يراهن على إمكانية تنفيذ المسار البديل بعيداً من السلطة الحالية، من أجل ضمان إتمام الاستحقاق، ووضْع قواعد الترشّح للرئاسة، وكذلك صلاحيات الرئيس ومجلس النواب في الدستور الجديد، أو الإعلان الذي ستُجرى على أساسه العملية الانتخابية. ويعتمد باتيلي على حشد أفريقي من خلال «مؤتمر المصالحة الوطنية» الذي سيُعقد تحت إشراف «الاتحاد الأفريقي»، للتأكيد أن الحلّ سيكون من داخل ليبيا برعاية أفريقية، وهو ما يحظى بدعم من «المجلس الرئاسي» الحالي، بقيادة محمد المنفي، الذي يساند مبادرة باتيلي بشكل واضح باعتبارها حلاً وحيداً في ظلّ استمرار عدم التوافق.
وعلى رغم أن الخطّة الطموحة التي تقفز على السلطة الحالية عبر خلْق سلطة بديلة موازية، لها شرعية مستمدَّة من توافق مجتمعي سابق يحظى باعتراف دولي، قد تواجه عقبات متعدّدة، إلّا أن التحدّي الأهمّ الذي يَمثل أمامها هو الحفاظ على وقْف إطلاق النار الذي لم يشهد خروقات في الأشهر الماضية، إلى جانب تراجُع وصول الأسلحة إلى ليبيا، وهو الأمر المستمرّ بالفعل منذ أشهر. وفي الرؤية الجديدة للوضع في ليبيا التي عرضها باتيلي على مجلس الأمن، يبدو جزء من المستقبل أكثر وضوحاً «نظريّاً»، وخاصّة أن المبعوث الأممي يسعى إلى إقناع جميع الأطراف برؤيته، مع تشديده على ضمان إجراء الانتخابات البرلمانية والرئاسية في التوقيت نفسه لعدم حدوث أيّ بلبلة بسبب نتائج أيّ منهما، قد تعيق استمرار المسار السياسي.