بغداد | في وقت يحتدم فيه النزاع حول مشروع قانون «سانت ليغو» لانتخابات مجالس المحافظات، والذي أجّل مجلس النوّاب حسْمه إلى السبت المقبل بالتزامن مع اندلاع تظاهرات رافضة له أمام «المنطقة الخضراء»، يعود حديث «الصلح» بين زعيم «التيّار الصدري»، مقتدى الصدر، ورئيس الوزراء العراقي الأسبق، نوري المالكي، إلى الواجهة مجدداً، من دون وجود مؤشّرات إلى إمكانية عقْده باستثناء المعلومات عن وساطات تقودها شخصيات دينية وسياسية عراقية على خطّ الرجلَين. وفيما يستبعد مسؤولون من «التيّار الصدري» تَحقّق ذلك، رابطين تودّد المالكي إلى الصدر برغبته في تمرير «سانت ليغو» الذي يعارضه التيّار بشدة، لا تستبعد مصادر في «الصدري» نفسه وفي «ائتلاف دولة القانون» الوصول إلى مصالحة من هذا النوع
أثار كلام رئيس الوزراء العراقي، نوري المالكي، حول إمكانية الصلح بينه وبين زعيم «التيّار الصدري»، مقتدى الصدر، تفاعلاً شعبياً وسياسياً واسعاً، تَوزّعت في خلاله الآراء بين مرجّح ومستبعد لسيناريو نجاح وساطة أطراف سياسية في ردْم هوّة الخلافات بين الرجلَين. ولا يستبعد مصدر مقرّب من «التيّار الصدري» طلب عدم الكشف عن اسمه، في حديث إلى «الأخبار»، أن «يكون هناك صلح بين المالكي والصدر»، مُذكّراً بأنه «كان هناك سابقاً خلاف كبير بين الصدر وإياد علاوي، وكذلك مع مسعود بارزاني، وأيضاً مع محمد الحلبوسي في الدورة البرلمانية السابقة، لكنّ الأخير أصبح حليفاً سياسياً له في هذه الدورة». ويَكشف المصدر أن «ثمّة شخصيات دينية مؤثّرة في مدينة النجف وخارجها تسعى إلى إحداث هذا الصلح، لأنها ترى أن استمرار الخلاف بينهما يعني استمرار اللااستقرار في الساحة الشيعية عموماً، مضيفاً «(أنّنا) تعوّدنا مع الصدر على المفاجآت، إذ دائماً ما يَتّخذ قرارات تكون مفاجئة حتى لأتباعه».
وإذ يدور الحديث عن وجود «طرف ثالث» يسعى، عبر زيارات يُجريها إلى الحنّانة، مقرّ إقامة الصدر، إلى تقريب وجهات النظر، على رغم كثرة النقاط الخلافية التي قد تعوّق التفاهم، يستبعد النائب السابق عن «التيّار الصدري»، فتّاح الشيخ، فكرة جلوس الصدر مع المالكي الذي يصفه بـ«كبير المفسدين». ويقول الشيخ، لـ«الأخبار»، إن «المالكي في نظر الصدر رجل فشِل في العملية السياسية، وتُلاحقه ملفّات خطيرة يمكن أن تُفتح في أيّ لحظة من قِبَل القضاء العراقي»، مخاطباً رئيس «ائتلاف دولة القانون» بالقول: «يا أبا إسراء الخلاف معك ليس شخصياً، حتى يتطلّب منك أن تصالح الصدر، وإنما عليك أن تصالح نفسك، بأن تقدّم نفسك للقضاء وتعترف وتقول، نعم، أنا مقصّر بحق العراقيين». وفي 21 شباط الجاري، تحدّث المالكي إلى إذاعة «مونت كارلو» الفرنسية، عن رغبته في الصلح مع الصدر، وشطْب الخلافات القديمة، وهو ما يعلّق عليه النائب الصدري السابق بأن «المالكي أراد من إطلالته أن يمرّر قانون سانت ليغو لانتخابات مجالس المحافظات (المقرَّر أن تَجري في وقت لاحق من العام الجاري)، وأن يروّض الشارع العراقي، ولكن سرعان ما قوبل بخيبة أمل، لأن هذه الأساليب مكشوفة». ويؤكد أنه «حتى هذه اللحظة، لا توجد أيّ إشارة إلى الصلح»، لافتاً إلى أن «المالكي اعتاد على استغلال غياب الصدر عن المشهد السياسي، وحديثُه الأخير هو لأجل استثمار السكوت في تمرير قانون سانت ليغو بسهولة».
شخصيات دينية مؤثّرة في النجف وخارجها تسعى إلى الصلح بين الصدر والمالكي


وفي أكثر من مناسبة، رفَض الصدر دعوات التصالح مع خصمه المالكي، معلّلاً ذلك بقوله: «كيف أتصالح مع قاتل وعميل؟». وإذ اشتدّ الصراع بينهما قبل تشكيل الحكومة الحالية برئاسة محمد شياع السوداني، فإن خلافهما يعود في الواقع إلى عام 2008، حين نفّذ المالكي، عندما كان رئيساً للوزراء وقائداً عاماً للقوّات المسلّحة، حملة أمنية وعسكرية واسعة عُرفت بـ«صولة الفرسان» ضدّ عناصر «جيش المهدي» التابع للتيّار في محافظات جنوب العراق. واندلعت، على إثر هذا، مواجهات عنيفة تسبّبت بسقوط عشرات القتلى والجرحى من الطرفَين، وأدّت أيضاً إلى اعتقال قيادات وعناصر في «الصدري» وزجّهم في السجون، حيث لا يزال بعضهم معتقَلين حتى اليوم. وعلى رغم ما تَقدّم، يتحدّث الناطق باسم «ائتلاف دولة القانون»، بهاء الدين النوري، عن «رسائل إيجابية خلال الفترة الأخيرة بين المالكي والصدر»، مضيفاً أن «هناك استجابة من أطراف كثيرة ترغب في أن تُنهي الخلاف». ويوضح النوري، في تصريح إلى «الأخبار»، «(أنّنا) نرغب في أن تكون هناك أجواء هادئة وإيجابية قبل إجراء انتخابات مجالس المحافظات، وكذلك نريد المصالحة لدعم هذه الحكومة».
من جهته، يرى الكاتب والمحلّل السياسي، رائد عليوي، أن «المالكي أراد أن يغازل الصدر بالتزامن مع تلويح الصدريين بالاحتجاجات الشعبية ضدّ حكومة السوداني التي يُعتبر رئيس الوزراء السابق الداعم الرئيس لها»، معرباً عن اعتقاده أيضاً أن «الخلافات بين المالكي وقيس الخزعلي هي التي جعلت الأوّل يمدّ يد الصلح للصدر». ويقدّر عليوي، في تصريح إلى «الأخبار»، أن «لا تكون مبادرة الصلح بين المالكي والصدر سهلة، خاصة بعد وقوف الإطار التنسيقي ضدّ مشروع الأخير السياسي، وأيضاً بعد قضيّة تسريبات المالكي وتجاوُزه على زعيم "التيار الصدري" بشكل علني». ويَلفت إلى أن «التيّار بصورة عامّة رافض للمصالحة رفضاً تامّاً، ولديه موقف عدائي من المالكي»، مضيفاً أن «الخصومة باقية والصدر يبقى ملتزماً بالصمت إلى حين انتهاء عمر حكومة السوداني».
ويأتي حديث المصالحة بين المالكي والصدر، في وقت يحتدم فيه الخلاف حول تعديل قانون انتخابات مجالس المحافظات لاعتماد نظام «سانت ليغو»، والذي قرّر مجلس النواب، في جلسته المنعقدة أمس، تأجيل حسْمه إلى يوم السبت المقبل. وبالتزامن، نظّم متظاهرون وقفة احتجاجية بالقرب من أسوار «المنطقة الخضراء» اعتراضاً على مشروع التعديل، الذي كان البرلمان قد أنهى، في وقت سابق من شباط الجاري، قراءته الأولى، علماً أنه في حال اعتماده نهائياً سيُطرح أيضاً لاستخدامه في الانتخابات التشريعية. وتعتمد آلية «سانت ليغو»، التي يُعتبر إلغاؤها سابقاً أحد أبرز منجزات «حراك تشرين» عام 2019، في الدول التي تُطبّق هذا النظام للتمثيل النسبي، على تقسيم أصوات التحالفات على الرقم 1.4 تصاعدياً، وفي هذه الحالة تحصل التحالفات الصغيرة على فرصة للفوز، لكنّ العراق اعتمد القاسم الانتخابي بواقع 1.9، وهو ما جعل حظوظ الكيانات السياسية الكبيرة تتصاعد على حساب المرشّحين الأفراد (المستقلين والمدنيين)، وكذلك الكيانات الناشئة والصغيرة.