لماذا تراجع الخبر السوري في الإعلام لمصلحة الخبر الآتي من غزة؟ سأل الصحافيون الغربيون وحاولوا تفسير ذلك تقنياً وسياسياً ومنطقياً. وبغضّ النظر عن التحليلات الإعلامية للسبب، يبقى من المؤسف ملاحظة كيف تتحوّل الأخبار مهما كانت مروّعة إلى مجرّد روتين إعلامي، بعد أن تمرّ عليها فترة معينة من الزمن. هكذا، اخترقت أخيراً دماء أهل غزة وأطفالها روتين الخبر الدامي الآتي من سوريا والعراق. الصحافيون الغربيون مطمئنون، معارك العراق وسوريا لن تنتهي قريباً، يمكننا العودة إليها في تغطياتنا متى شئنا!«لأن القتل في سوريا بات خبراً عادياً»، «لأن الأزمة السورية طويلة الأمد»، «لأن الصحافيين ما زالوا ممنوعين من الدخول إلى الأراضي السورية»... هكذا حاول بعض الصحافيين الغربيين تفسير سبب «تراجع الخبر السوري في التغطيات الإعلامية لصالح الخبر الآتي من غزة وإسرائيل» في وسائل إعلامهم المكتوبة والمرئية. معظم هؤلاء انتقدوا التركيز على ما يحدث في غزة «في حين أن المعارك الضارية ما زالت مستمرة في سوريا»، حتى أن البعض وصف ما يجري بـ«الهوس الإعلامي بغزة».

وقد تزامن التصعيد الإسرائيلي الوحشي ضد المدنيين في غزة مع صدور تقرير يقول إن أعداد القتلى في الحرب السورية تجاوز الـ ١٧٠ ألفاً، وأن الأسابيع الماضية شهدت سقوط أكبر عدد من القتلى في سوريا، أي نحو ٧٠٠ قتيل خلال أيام. لو لم يكن هناك أطفال يسقطون بالمئات في غزة، لتصدّر ذلك العدد السوري عناوين نشرات الأخبار ومانشيتات الصحف، قال البعض. فلماذا لم يفعل ذاك العدد الضخم فعله هذه المرة؟ هو أمر طبيعي، إذ إن الأخبار تتعلّق بالأحداث الجديدة، والحرب السورية هي حرب «طويلة الأمد» قال جوشوا كيتينغ على موقع «سلييت». «لا يذكّر الإعلام الأميركيين بالأزمة السورية إلا إذا حصل تزايد في استخدام للكيميائي أو عندما يلوح في الأفق احتمال شنّ ضربات جوية أميركية أو عندما تمتد المعارك الى العراق»، يضيف كيتينغ ويشرح أنه «خلال الأيام الماضية لم يحصل أي أمر دراماتيكي في سوريا قد يفوق بأهميته ما يحصل في أمكنة أخرى من العالم».
لكن بعض الصحافيين المنحازين إلى إسرائيل لا يرون ذلك، وهم عبّروا عن غضبهم من «تحويل الإعلام الغربي إسرائيل إلى وحش والتركيز فقط على سقوط القتلى في غزة، بينما المجازر ما زالت ترتكب في سوريا».
الصحافي جيفري غولدبرغ يرجع سبب الاهتمام الإعلامي بما يجري في فلسطين المحتلة على حساب أي خبر آخر، لسببين: الأول تقني بحت، إذ إن الصحافيين يمكنهم الدخول بكاميراتهم إلى غزة أو الأراضي المحتلة ونقل الصورة مباشرة من هناك أما في سوريا فلا يزال الأمر صعب جداً. «رغم التضييقات التي تفرضها حماس على الصحافيين، إلا أنها تسهّل عملهم في نقل صور الدمار من غزة»، يلحظ غولدبرغ. أما السبب الثاني، فهو اهتمام الجمهور. يقول غولدبرغ إن «أي خبر يتعلّق بإسرائيل أو باليهود يقفز أوتوماتيكياً إلى أعلى لائحة المقالات الأكثر تداولاً» في أبرز الصحف.

«أعداد القتلى
في سوريا تحوّلت
إلى روتين حتى قبل
الحرب على غزة»


الكاتب يلفت أيضاً إلى الأسباب السياسية «لكون الولايات المتحدة حليفاً لإسرائيل ومزوّدتها بالسلاح، أي هي على علاقة مباشرة بأحد أطراف الصراع». وهنا، يعود الكاتب للتذكير بالحرب السورية ويقول إنها «بالنسبة إلى الأمن القومي الأميركي أهمّ من الحرب في غزة». لذا، يستنتج أنّ «من المنطقي أن تولي وسائل الإعلام الأميركية الحرب السورية أهمية أكبر من الحرب على غزة، وذلك من وجهة نظر أمنية، لكنها لا تفعل!»، لماذا؟ يشير غولدبرغ إلى أن ذلك مرتبط بالاهتمام العربي بتلك الأحداث، إذ إن الإعلام الغربي يقيس الأحداث في المنطقة حسب مستوى اهتمام الإعلام العربي بها.
وهنا شرحت مديرة مكتب «الحياة» في واشنطن جويس كرم للصحافي أنه يبدو أن «قتل المسلم للمسلم أو العربي للعربي يبدو مقبولاً أكثر من قتل الإسرائيليين للعرب» لدى الشارع العربي وإعلامه.
إيان بلايك في صحيفة «ذي غارديان» يلفت إلى أن «أعداد القتلى في سوريا تحوّلت إلى روتين حتى قبل بدء الحرب على غزة». بلايك ينتقد اتهام الإسرائيليين الصحافيين بـ«تغطية انتقائية» ويشير إلى أنه «ليس واضحاً كيف يمكن التركيز الإعلامي على سوريا أو التقليل من التركيز على غزة أن يساعد في حلّ المسألة الفلسطينية».
«عاجلاً أو آجلاً ستنتهي الحرب على غزة بتوقيع اتفاق هدنة، لكن الفوضى في سوريا والعراق باقية هناك لن تذهب إلى أي مكان!»، يخلص كيتينغ في مقال «سلييت».