غزة | تحت وطأة التهديدات الأميركية والإسرائيلية لقيادة السلطة الفلسطينية، بادرت الأخيرة، بتواطؤ مع الإمارات، إلى سحْب مشروع قرار وقْف الاستيطان في الضفة الغربية المحتلّة من على طاولة مجلس الأمن، بعدما كان من المقرّر التصويت عليه أمس. وجاء ذلك في مقابل تعهّدات أميركية بتجميد الاستيطان، ووقْف هدْم المنازل في الضفة والقدس، والتخفيف من عمليات اقتحام المدن الفلسطينية لعدّة شهور. وبحسب ما علمتْه «الأخبار» من مصادر مقرَّبة من الرئاسة الفلسطينية، فإن الرئيس محمود عباس قرّر، بعد التشاور مع أمين سرّ «اللجنة التنفيذية لمنظّمة التحرير» حسين الشيخ، ووزير الخارجية رياض المالكي، عدم المضيّ في الإجراءات التي بدأت الشهر الماضي لاستصدار قرار أممي يدين الاستيطان. وأرجعت المصادر هذا القرار، إلى تهديدات شخصية وعائلية وُجّهت إلى عباس، وصلت إلى حدّ تلويح واشنطن بتأييد فرْض حصار إسرائيلي عليه، وسحْب كلّ الامتيازات التي يتمتّع بها هو وعائلته، إضافة إلى تعطيل الامتيازات التي يتمتّع بها قادة السلطة في الضفة، وتنفيذ عملية واسعة هناك.وكانت «الأخبار» كشفت، في عددها الصادر في الثالث من شباط، أن الإدارة الأميركية خيّرت عباس بين «الموافقة على الخطّة التي تطرحها لتهدئة الأوضاع في الضفة أو الرحيل»، وأن «أبو مازن» لم يعترض على طرْح وزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكن، «من حيث المبدأ»، وإنّما طلَب منه تعهّدات بمراجعة جذور التوتّر في الضفة، وعلى رأسها الانتهاكات الإسرائيلية، واستمرار اقتحام المدن الفلسطينية، وارتفاع وتيرة القتل والإعدامات من قِبَل جيش الاحتلال للشبّان الفلسطينيين، مؤكداً له أن استمرار حكومة بنيامين نتنياهو في النهج نفسه سيؤدّي إلى «تصاعُد الأحداث، وربّما تطوُّرها إلى انتفاضة جديدة لا يرغب فيها أحد» (راجع: وصْفة أميركية لتسكيت الضفة | بلينكن لعباس: الانصياع أو الرحيل، «الأخبار»). وكانت بدأت، مع مطلع الشهر الجاري، مباحثات بين السلطة الفلسطينية والإدارة الأميركية، استُهلّت بزيارة بلينكن لرام الله، حيث نصح الأخيرة بعدم الذهاب إلى خطوات أحادية ضدّ تل أبيب في الأمم المتحدة، قبل أن يُبْقي فريقاً تفاوضياً تابعاً له في دولة الاحتلال لاستكمال المباحثات، وهو ما أثمر أخيراً قبول السلطة بالطرح الأميركي.
وصفت حركة «حماس» استجابة السلطة الفلسطينية للطلبات الأميركية بأنها «خارج الإجماع الوطني»


وشمل الاتفاق الذي تمّ التوصّل إليه الأسبوع الماضي، وأميط اللثام عن تفاصيله مطلع الأسبوع الجاري، التزام دولة الاحتلال بتجميد خُطط بناء إضافية في المستوطنات لعدّة شهور، وتعليق هدْم منازل الفلسطينيين وإخلائها في المناطق «ج» والقدس الشرقية، إضافة إلى تخفيف عمليات الاقتحام للمدن الفلسطينية، وتعزيز الدعم المقدَّم للسلطة لتمكينها من استعادة السيطرة على جميع مناطق الضفة وخصوصاً نابلس وجنين، وذلك بالاستناد إلى الخطّة الأمنية التي وضعها المنسّق الأمني الأميركي، مايك فنزل. ولتعويض الحصّة المقتطَعة شهرياً من أموال المقاصّة الخاصة بالسلطة، وافقت إسرائيل على بعض التغييرات في مجال الضرائب على «جسر اللنبي» بين الضفة والأردن، وهو ما سيُدخل إلى موازنة السلطة أكثر من 200 مليون شيكل سنوياً. أيضاً، التزمت واشنطن بدعوة عباس إلى زيارتها العام المقبل من أجل لقاء الرئيس جون بايدن، كما وبتقديم طلب إلى تل أبيب لفتح القنصلية الأميركية في القدس.
وعلى رغم أن مكتب نتنياهو أعلن «(أنّنا) أبلغْنا الولايات المتحدة أنّنا لن نُشرعن في الأشهر المقبلة بؤراً استيطانية جديدة غير الـ9 التي تمّت الموافقة عليها في «الكابينت»، ونلتزم بوقف هدم المباني في المنطقة C»، إلّا أن مسؤولاً في دولة الاحتلال نفى، في حديث إلى صحيفة «يديعوت أحرونوت» العبرية، صحّة وجود تفاهمات مع السلطة، مؤكداً أن «المجلس الأعلى للتخطيط والبناء» في الضفة اجتمع الأسبوع الماضي، وصادق على جميع المخطّطات الاستيطانية التي أعدّتْها الحكومة الإسرائيلية للفترة الحالية، فيما ليست ثمّة خطط لدعوة المجلس إلى الاجتماع خلال الأشهر الثلاثة المقبلة. وهاجم المسؤول الإسرائيلي الإدارة الأميركية، واتّهمها بـ«بيع إسرائيل» لصالح الفلسطينيين مقابل تجنُّب فرْض «الفيتو» في مجلس الأمن الدولي، فيما رفض مسؤول أميركي كبير المزاعم الإسرائيلية ووصَفها بـ«الهراء»، مشيراً إلى أن إدارة بلاده «ساعدت تل أبيب وقدّمت لها الأفضل بدلاً من أن تتعرّض للعزلة مرّة أخرى داخل الأمم المتحدة»، وأنه كان «من الجيّد التوصّل إلى تفاهمات مع الفلسطينيين لتهدئة الأوضاع». وإلى جانب الضغط الأميركي على السلطة، كشف المصدر المقرَّب من مؤسّسة الرئاسة، لـ«الأخبار»، عن توسُّط الإمارات لدى عباس للامتناع عن الذهاب نحو التصويت في الأمم المتحدة، على اعتبار أن هذه الخطوة ستؤدّي إلى إشكاليات في ظلّ الرفض الأميركي لها. وفي المقابل، طلبت رام الله من أبو ظبي تجديد الدعم المالي لها، وهو ما قابله الإماراتيون بوعد بدراسة استئناف المساعدة بعد سنوات من توقّفها.
من جهتها، وصفت حركة «حماس» استجابة السلطة الفلسطينية للطلبات الأميركية بأنها «خارج الإجماع الوطني»، معتبرةً، على لسان الناطق باسمها حازم قاسم، أن «السلطة مُصرّة على شراء الوهم من الإدارات الأميركية وحكومات الاحتلال، وهذا لا يعبّر عن موقف الشعب الفلسطيني». ورأت الحركة أن «سلوك رام الله يقدّم خدمة مجّانية للعدو، ويجمّل صورته البشعة أمام الرأي العام العالمي، ويشجّع مسار التطبيع معه»، مؤكّدة أن «الشعب الفلسطيني سيُواصل نضاله لطرد الاحتلال عن كامل الأراضي الفلسطينية»، وأن «الخطّة الأميركية لوأد ثورة الشعب الفلسطيني لن تمرّ».